سياسة

انسجاما مع التنوع وتاريخ المنطقة.. مطالب بتغيير تسمية “المغرب العربي”


عاد الجدل حول تسمية “المغرب العربي” إلى التصاعد مجددا مؤخرا مع تأكيد أكاديميين وباحثين على أن الخصوصية والهوية الوطنية والوحدة في إطار التنوع، هي عناصر ودلائل تحتم إعادة النظر في التسمية التي يعتبرها البعض “تتضمن إقصاء لمكونات أخرى ولو رمزيا”.

وانطلق النقاش بعد تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي قال إن “حلم بناء المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه، وأنا أنتظر اليوم الذي نعيد فيه بناءه”، ثم بيان الطيب البكوش الأمين العام للاتحاد المغاربي الذي رحب بهذا الموقف قائلا “نقدّر صدوره في هذا الظرف الذي تمرّ فيه المنطقة العربية بأزمات خطيرة، تحتم على الاتحاد المغاربي أن یكون جاهزا للقيام بدور فعال في صيانة مصالح الأمة العربية والإسلامية والقارة الإفريقية”.

المصداقية التي يحظى بها المغرب في إدارة ملف التنوع تجعله مخولا ليقدم مقترح تعديل التسمية بشكل رسمي للاتحاد المغاربي بوصفها صارت متجاوزة بحكم التراكمات التاريخية

واعتبر الكثير من الناشطين والأكاديميين أن هذه التصريحات تكرس مغالطات تاريخية وجغرافية وثقافية، فتسمية “المغرب العربي” لا تنسجم مع الواقع الاجتماعي والتاريخي والثقافي الذي يطبع البلدان المنتمية إلى هذه الرقعة بشمال إفريقيا، وهم يطالبون بتعويضها بتسمية تعكس تعددية مجتمعات هذا البلدان، كمصطلح “المغرب الكبير” أو “الاتحاد المغاربي” التي تتسع لكل الاثنيات واللغات والثقافات دون شك في نزاهتها وطابعها الديمقراطي.

وارتفعت الدعوات بضرورة تغيير التسمية لكونها لا تحتكم لأسس موضوعية متينة، خصوصا عنصر الجغرافيا الذي كان محددا أساسيا في تكتلات إقليمية في أوروبا أو أميركا الشمالية؛ هو ما جعل تصريحات عطاف لشبكة تابعة لقناة الجزيرة، وترديد بيان الطيب البكوش الأمين العام للاتحاد المغاربي، للتسمية بمثابة الفتيل الذي أشعل النقاش مجددا. حيث يؤكد ناشطون أن هدف مطالب تعديل تسمية الاتحاد هو تجريدها من جميع التأويلات وأن تكون تسمية محايدة تعطي لجميع مكونات بلدان الاتحاد المغاربي حقها في الظهور.

وقال مصطفى القادري، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط إن “الحاجة إلى تغيير تسمية المغرب العربي يعود إلى حمولتها الإيديولوجية التي جاءت في أربعينيات القرن الماضي حين وردت في أدبيات ساطع الحصري، الذي كان يعد منظرا للقومية العربية، وكان السعي حينها هو إلحاق شمال إفريقيا بالفكر القومي العربي”، موضحا أن “زوال الفكر القومي يحتم زوال التسميات المرتبطة به، والتي لا معنى لها ولا تحتكم لأي أساس جغرافي أو علمي”.

وأوضح القادري، في تصريحات لموقع هسبريس المغربي، أن سياق حضور هذا التسمية في المغرب يعود إلى اختراق إيديولوجيا العروبة للوطنيين المغاربة حينها؛ وأخذوا عن الحصري وشكيب أرسلان هذا المفهوم ‘المغرب العربي’، وروجوا له واحتضنوه”، منوها إلى أنهم “قاموا بذلك للرد أيضا على التسميات الجغرافية التي كانت تستعملها فرنسا لتحديد المنطقة: غرب إفريقيا الفرنسية، إفريقيا الاستوائية الفرنسية، وشمال إفريقيا الفرنسية؛ فالوطنيون كانوا يعتبرون هذه التسميات استعمارية وبالتالي لجأوا لتسميات القوميين”.

وبحسب القادري فإنه حين تأسست جامعة الدول العربية بمبادرة من بريطانيا سنة 1945، تبنت رسميا هذا الاسم، وأحدثت لاحقا لجنة “تحرير المغرب العربي”، التي ترأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي، قبل أن يتخلى عنها، مشيرا إلى أن العقيد معمر القذافي بذل جهوده لأجل هذه التسمية؛ لكنها تسمية تبرز أن الاتحاد المذكور “خرج من الخيمة مائلا، لكونه اتحادا لم ينجح في فتح الحدود بين هذه الدول ولم يتمكن من خلق عملة مغاربية ولم يسطر اتفاقيات تجارية تفضيلية بين الدول الخمس”.

ويدعو مؤلف كتاب “وطنية باحتقار الذات” إلى تفريغ التسمية من الحمولات السياسية، وتسمية “شمال إفريقيا”، والعمل على انضمام مصر إليه، إذا كانت كلمة “المغرب” لوحدها تزعج البعض؛ وأما مصطلح “المغرب العربي”، فلا معنى له، لكونه أصلا تأسس في مراكش، مدينة يوسف ابن تاشفين، وقال أن مقترحات تعديل التسمية كثيرة، وهي من شأن الزعماء السياسيين ولكن الجغرافيا دائما تحكم في هذه السجالات، فالاتحاد الأوروبي سمي على قارة وليس على عرق أو دين أو شخص.

واعتبر ناشطون أن احتفاء وكالة المغرب العربي للأنباء مؤخرا بإطلاق نسخة بوابتها الإلكترونية باللغة الأمازيغية يمثل حدثا هاما بأبعاد سياسية ولغوية وتواصلية واضحة، كما أن هذا الاقرار يحمل في طياته جوابا على الأسئلة التي يحاول البعض إعادة إثارتها في سياق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. كما أنه من شأن هذه الخدمة الإعلامية أن تساهم بشكل كبير في تداول اللغة وتمكينها من وظائف جديدة، وتوحيد المصطلح والرفع من وتيرة التداول والاستعمال التي تبدو في غاية الأهمية في المرحلة الراهنة.

وقال الحسن أموزاي، باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن المغرب في دستوره حسم مع هذه التسمية حين تضمنت ديباجة الدستور أن المملكة المغربية الدولة الموحدة ذات السيادة الكاملة المنتمية إلى المغرب الكبير”.

وأكد الباحث أن “المغرب فاعل أساسي ضمن الاتحاد وكان سباقا في مجال حماية التنوع الثقافي وتثمين الاختلاف والوحدة في إطار التنوع؛ وهو ما حاولت العديد من البلدان المغاربية أن تحذو حذوه. لاسيما ليبيا فيما يخص المسألة الأمازيغية”. موضحا أن المصداقية التي يحظى بها المغرب في تدبير ملف التنوع تجعله مخولا ليقدم مقترح تعديل التسمية بشكل رسمي لهذا الاتحاد بوصفها صارت الآن متجاوزة بحكم التراكمات التاريخية.

وخلص إلى أن “قبول هذه التسمية في مرحلة معينة. بحكم أبعادها الجهوية والسياسية وسياقها التاريخي. لم يعد مطروحا اليوم بحكم نهضة المكونات المجتمعية الأخرى التي أصبحت تدافع عن حقها في الظهور والاعتراف ولو رمزيا”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى