سياسة

الورقة الناقصة في اللعب مع إيران

علي الصراف


تعرف الولايات المتحدة مَن هو الطرف الذي يقوم بالهجمات على قواتها في العراق وسوريا.

تعرف أيضا مِن أين تأتي الطائرات المسيرة لشن هجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا وخطوط الملاحة في مياه الخليج العربي. ولا تحتاج واشنطن إلى أي معلومات إضافية تؤكد أن إيران تقف وراء تسليح الحوثي و”حزب الله” في لبنان بالصواريخ.

وما لم تكن هذه كلها أعمالا حربية، فلن يعرف أحد ما هي الأعمال الحربية على الإطلاق. ويزيد الأمر سوءا أن لإيران أهدافا استراتيجية معلنة من وراء هذه الأعمال، هي نفسها أعمال عدوانية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. فبماذا واجهت واشنطن هذا كله؟

لم تضف إدارة الرئيس جو بايدن قطعة سلاح واحدة إلى استعداداتها لمواجهة تلك الأعمال، ولكنها على العكس من ذلك، آثرت التراجع إلى نقاط أبعد، وسحبت قطعا بحرية مهمة، بل إنها سحبت بطارياتها الدفاعية ضد الصواريخ.

وما لم تكن هذه كلها رسائل تشجيع لإيران، فلن يعرف أحد ما هو التشجيع على العدوان.

وتدرك الولايات المتحدة أن عقوباتها الاقتصادية مثل الجبنة السويسرية، منخورة من كل اتجاه. التجارة مع العراق وحده توفر لإيران عائدات تصل إلى 20 مليار دولار سنويا. جزء كبير منها أعمال نهب وعقود مزيفة. كما أن أعمال تهريب النفط لم تتوقف على الإطلاق، بل إنها أصبحت ثاني أكبر مَورد بعد “التجارة” المزيفة مع العراق. وما تزال صناعة الحديد والصلب الإيرانية تفلت من العقوبات.

وما لم تكن هذه دلائل على عدم كفاية العقوبات وفشلها في ردع إيران، فلن يعرف أحد ما هو الفشل.

فهل من العجيب، من بعد ذلك كله، أن تجد إيران نفسها تماطل في العودة إلى الاتفاق النووي، وتقف مع نفسها، لا مع أحد آخر، أمام الخيار بين أن تحتفظ بترسانتها النووية، وبين أن تتخلى عنها مقابل فتح ثقوب أكبر في الجبنة السويسرية؟

رفع العقوبات سيكون هو نفسه، في هذه الظروف، دعوة للتمادي في كل القضايا الأخرى المتعلقة بالأمن الإقليمي.

الولايات المتحدة تعرف كل ذلك. حتى ليبدو وكأنها تشتري الوقت، حتى ولو كانت المحطة التالية هي أزمة أكبر.

ما هو ناقص في هذه اللعبة هو التلويح باستخدام القوة. وللقوة وسائل لا تعني بالضرورة شن الحرب.

لقد خاضت الولايات المتحدة حربا طويلة ضد الاتحاد السوفييتي السابق من دون إطلاق نار. وانتهت بإرهاقه ماديا ومعنويا، حتى تداعى وتفكك. ولم تنفعه قوته النووية في شيء.

شن الحرب ضد إيران يمكن أن يشمل كل الخيارات التي تم تجربتها. ومنها العزلة الدبلوماسية والحصار الاقتصادي، والرد على الأعمال العدوانية، وغيرها.

أحد أبرز ميادين هذه الحرب هي اليمن ولبنان والعراق. وبدلا من التراخي مع مليشيا الحوثي، فإن جهدا دوليا وإقليميا مشتركا يمكنه أن يهزم إيران هناك، كما يمكن أن يهزم “حزب الله” في لبنان ومليشيات إيران في العراق بالطريقة نفسها. بالمواجهة، لا بالهرب.

الهدف النهائي من هذه الحرب، هو ظهور نظام جديد في إيران، وهذا ما سوف يكفل نزع سلاحه النووي على نحو لا لبس فيه.

وفي الواقع، فحتى لو تخلت إيران عن كل ما حققته من تقدم في أعمال التخصيب وتطوير أجهزة الطرد المركزي، فما من خبير دولي إلا ويعرف أن الأسلحة النووية هي معرفة الطريق إليها، وهي ليست بالضرورة وجود قنبلة يمكن تفكيكها أو إلقاء القبض عليها.

المعرفة هي الأساس. وهي ما يمكن له أن يجدد التهديد في أي وقت لاحق، طالما بقيت العقلية العدوانية هي مصدر القرار.

العالم يحتاج إلى أن يرى نظاما آخر في إيران، لكي يمكن له أن يطمئن إلى أن سياسات العدوان قد أسدلت ستائرها على ما صنعته من أعمال تخريب وفساد وإرهاب.

أما التراجع أمام النزعة العدوانية، وتغذيتها برفع العقوبات، فلن يعني نهاية أزمة، وإنما صنع أزمة أكبر منها.

أفهل في ذلك شيء لا يعرفه خبراء الاستراتيجيات؟ أم أنهم يتعمدون الخروج من أزمة لكي يصنعوا غيرها؟

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى