الوحدة الوطنية جوهر مصر وحقيقتها
منحنا الرئيس عبدالفتاح السيسي نحن المصريين أقباطاً ومسلمين يوماً جميلاً للوحدة الوطنية، تزهو به مصر على سائر الأمم، ومنح كل الأمصار العربية والإسلامية درساً بالغ الأهمية في ضرورة الحفاظ على وحدة الأوطان، وتعزيز حقوق المواطنة لتعلو على نعرات القسمة الطائفية التي تُمزق الأوطان، عندما افتتح في ليلة عيد الميلاد هاتين التحفتين المعماريتين اللتين تجسدان عظمة البنائين المصريين وولعهم التاريخي القديم بمعنى الخلود، مسجد «الفتاح العليم» وكاتدرائية «ميلاد المسيح»، أول مبنيين يتم افتتاحهما في العاصمة الإدارية الجديدة، تأكيداً على روح التسامح التي تعم مصر في أقصاها القريب إلى أقصاها البعيد، وتوثيقاً لعرى المحبة التي تربط أقباط مصر بمسلميها، وإقراراً علنياً على رؤوس الأشهاد بحقوق المواطنة المتساوية للجميع دون تمييز، وأن الكنيسة القبطية كانت دائماً وأبداً درعاً للوطن، وهدفاً لمقولة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن».
وعلى الرغم من أن البرد كان قاسياً والريح عاصفة في هذه الليلة المباركة، إلا أن دفء القلوب العامرة بالمحبة والتسامح غمر الجميع وهم يقطعون المسافة بين «الفتاح العليم» وكاتدرائية «ميلاد المسيح»، التي تقترب من 20 كيلومتراً كي يلحقوا بالحدثين، افتتاح المسجد والكنيسة، وفي باحة أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط وقف الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب يشرح إلى جوار البابا تواضروس موقف الإسلام الصحيح من المسيحية، بينما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي ينصت للحديث، شكر شيخ الأزهر الرئيس السيسي على بناء هذين الأثرين التاريخيين، وأشاد بعمران المسجد والكنيسة اللذين يرمزان لروح مصر وجوهرها، مطالباً المسلمين حكاماً ومحكومين بالحفاظ علي حقوق الأقباط، لا يمسهم أدنى سوء في عقائدهم وكنائسهم وصلبانهم، يقرعون أجراس كنائسهم، ويقيمون صلواتهم في بيوت يذكر فيها اسم الله.
وواجب الدولة أن تحمي الكنائس كما تحمي المساجد لأنها بيوت الله لا نفرق بين أي منها، وعندما دخل الرئيس السيسي الكاتدرائية وسط ترحيب الأقباط وزغاريدهم وإصرارهم على مصافحته، كان وجه السيسي ينطق بالفرح والبشر مثلما كان حاله وهو يفتتح قبل وقت قصير مسجد «الفتاح العليم»، وكذلك كان حال كل الحاضرين تنطق وجوههم بشراً لأنه في هذه الساعة المجيدة تجلت روح مصر المحروسة في أكمل معانيها تنطق بالفرح وحباً وكرامة، لأن المصريين يحبون بعضهم بعضاً.
هل يمكن لمشاعر هذه الساعة المجيدة أن تستمر أبداً؟! لا أعرف، لكنني أعرف يقيناً أن ما رأيناه في مسجد «الفتاح العليم» وفي كاتدرائية «ميلاد المسيح» هو حقيقة مصر وجوهرها وما عداه زائف وباطل، لأن ما عداه هي ثمار الإرهاب الذي زيف وعي البعض وجعلها تنطق تعصباً وكراهية وعدواناً وافتئاتاً على صحيح الإسلام الذي يحض على التعارف والتواصل والمحبة.
المسجد يتسع لأكثر من 17 ألف رجل، ويعد من أكبر المساجد حول العالم، وتبلغ مساحة صحن المسجد 6325 متراً مربعاً، يرتفع فوقها القبة الرئيسية بارتفاع 28 متراً و4 قباب ثانوية، ومساحة المسجد 16 فداناً، له 7 بوابات، وقد بُني على الطراز الفاطمي، يشكل بمآذنه الأربعة البيضاء وقبته الكبيرة لوحة فائقة الجمال، وتم بناؤه قبل بناء المدينة نفسها على غرار عهد رسول الله، واستغرق بناء المسجد عاماً ونصف العام.
والكاتدرائية أقيمت على مساحة 15 فداناً، وتبلغ مساحة مبناها 7500 متر مربع، وتتسع لألف رجل، لكن مبنى الكاتدرائية يتسع لـ8200 فرد، ووسط صحن الكاتدرائية ترتفع قبة الكاتدرائية 39 متراً، محملة على 4 عقود رئيسية وللكاتدرائية منارتان.
ويخلص الهدف والمغزى من أن يكون المسجد والكاتدرائية هما أول ما يتم افتتاحه في العاصمة الإدارية، في ترسيخ قيم التسامح والمحبة والسلام والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات، قيم الفطرة التي جبل عليها الإنسان، لأن الأصل هو التعارف والتواصل والمودة وليست الصراعات أو الحروب، وليس في العالم أجمع مكان آخر يستحق أن يتشرف بهذه المعاني مثل مصر المحروسة، التي رفع أقباطها ومسلموها إبان ثورة 19 هذا الشعار الخالد «الدين لله والوطن للجميع».
نقلا عن “البيان”