المعارضة التركية تتحالف استعداداً لمعركة الانتخابات
رغم رفض أردوغان وحزبه الحاكم المتكرر إجراء انتخابات مبكرة.
فإن المعارضة التركية لا تتوقف عن الدعوة إليها، ولعل ما يدفع المعارضة إلى تكرار دعوتها للانتخابات المبكرة هو استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع كبير في شعبية أردوغان وحزبه الحاكم وتحالفه مع حزب الحركة القومية المتطرفة بزعامة دولت باهجلي، إذ للمرة الأولى تشير هذه الاستطلاعات إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى أقل من 30%، لكن ما يقلق أردوغان أكثر هو ليس تراجع شعبية حزبه، بل جملة التحركات التي تقوم بها المعارضة، لا سيما توجهها إلى توحيد صفوفها وإقامة أوسع تحالف في مواجهة تحالف أردوغان – باهجلي المعروف بتحالف الشعب، خاصة أن تحالف المعارضة في الانتخابات المحلية السابقة أدى إلى إلحاق أكبر هزيمة بحزب العدالة والتنمية عندما خسر بلديات المدن الكبرى كإسطنبول والعاصمة أنقرة.
خلال الأسابيع الماضية، توالت دعوات قادة المعارضة التركية من كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، مروراً بميرال أكشينار زعيمة الحزب (الخير/أو الجيد)، وصولاً إلى الزعيم الكردي صلاح الدين ديميرداش الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطية، إلى إقامة أوسع تحالف استعداداً للانتخابات، سواء كانت مبكرة أو جرت في موعدها الدوري عام 2023.
واللافت في هذه الدعوات، دعوة أكشينار إلى ضم كل من حزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو إلى التحالف المعروف باسم تحالف الأمة الذي فاز بمعركة الانتخابات المحلية قبل نحو سنتين، ولعل ما يدفع أطراف هذه المعارضة إلى التوافق والتحالف هو جملة من الأهداف المشتركة، المتمثلة أولاً بوضع نهاية لحكم “العدالة والتنمية” الذي أوصل البلاد إلى طريق مسدود. وثانياً بالتخلي عن النظام الرئاسي وإقامة نظام برلماني تعددي. وثالثاً بإجراء مراجعة للسياسة الخارجية التركية التي وترت علاقات تركيا مع معظم دول العالم، بما تؤسس هذه الخطوات لعملية إصلاح ديمقراطي تخفف من وقع الصراعات والاصطفافات الداخلية، وعندما تقدم المعارضة التركية على هذه الخطوات فهي تضع جملة من المتغيرات السياسية والمعطيات الداخلية التي تصب في مصلحتها أمامها، بدءاً من تفاقم الأزمات المالية والمعيشية في الداخل، مروراً بملف الانتهاكات التي تمارس ضد فئات واسعة من الشعب التركي التي حولت صورة تركيا إلى دولة استبدادية، وصولاً إلى قيم العلاقة مع الخارج، لا سيما مع وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة الأمريكية وإعلان إدارته أهمية القيم والحقوق الإنسانية في السياسة الدولية والعلاقات الأمريكية مع الخارج.
أكثر ما يزعج أردوغان في هذه التحولات ليس تفكك حزبه وخروج شخصيات قيادية مؤثرة منه من أمثال علي باباجان وأحمد داود أوغلو، بل فشل خططه في دفع أطراف المعارضة إلى الانقسام والانشقاق، فخططه لجلب حزب السعادة إلى تحالفه مع حزب الحركة القومية فشلت، كما أن جهوده لإخراج ميرال أكشينار التي تعرف بالمرأة الحديدية التركية من تحالف الأمة فشلت، وفوق ذلك لم يعد استهزاؤه بأحزاب المعارضة وقادتها ومحاولة تلفيق ملفات قضائية لهم ووضعهم في السجون تجدي نفعاً، بل إن ملفات الفساد، لا سيما بعد الفيديوهات المسربة لأحد أهم زعماء المافيا التركية سادات بكر، وفضحه علاقة أقطاب السلطة بقضايا الفساد، تقضي على شعبية أردوغان إلى درجة أن استطلاعات الرأي باتت تشير إلى تقدم كل من رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش عليه في حال إجراء انتخابات رئاسية، وهو ما يعمق من جروح أردوغان في تطلعه إلى البقاء في السلطة من خلال الفوز في الانتخابات المقبلة.
في الطريق إلى الانتخابات المقبلة، تتحدث المعارضة التركية عن جملة من السيناريوهات، وهي:
الأول: الاتفاق على شخص معتدل ومتوازن من خارج أحزاب المعارضة، وهنا تتجه الأنظار إلى الرئيس السابق عبدالله جول.
الثاني: ترشيح عدة شخصيات من قادة المعارضة، على رأسهم إمام أوغلو ويافاش وأكشينار وكليجدار أوغلو، وحجة المعارضة هنا هو تشتيت الأصوات في الجولة الأولى على أن تدعم جميع هذه الأطراف الشخص الذي سينتقل إلى الجولة الثانية لمواجهة أردوغان.
الثالث: الاتفاق منذ البداية على شخصية قوية من المعارضة على أن يتم مسبقاً الاتفاق على البرنامج السياسي المقبل، وهنا يجري الحديث عن حكومة ائتلافية تنقل البلاد إلى مرحلة جديدة من النظام السياسي.
في الواقع، كل ما سبق يضع المعارضة التركية في حالة استنفار، وأمام مسؤولية تاريخية، لا سيما في ظل الإجماع على أن سياسة أردوغان أوصلت البلاد إلى طريق مسدود، وأن الانتخابات باتت الطريق الأكيد للتخلص من حكمه، وإعادة البلاد إلى وضعها الطبيعي، تطلعاً إلى السلام والمستقبل وعلاقات إيجابية مع الجوار والعالم.