سياسة

روسيا وتركيا والردّ بالمثل


رغم أن العلاقات الروسية – التركية تبدو مستقرة منذ سنوات.

وتكاد تكون خالية من المشاكل حتى مع حصول بعض المناوشات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين بين الحين والآخر، لكن يبدو أن شبه جزيرة القرم هذه المرة ستكون سبباً رئيسياً لتصعيد روسي – تركي في المرحلة المقبلة، لا سيما أن أنقرة تبدو طرفاً في الصراع الروسي – الأوكراني حول شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو لروسيا الاتحادية منذ أكثر من 6 سنوات.

وحتى الآن، لم تتمكن أنقرة من حمل العصا من الوسط في هذا الصراع المستمر حول الجزيرة التي يقطنها روس وأقلية أخرى تنتمي للعرق التركي، فتركيا تقف إلى جانب أوكرانيا وتعادي روسيا في هذه القضية بوضوح وعلى العلن.

وكان المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية قال بشكل رسميّ قبل أيام، إن تتار الجزيرة أي الأتراك يواجهون “صعوباتٍ” منذ ضمّ القرم إلى الاتحاد الروسي، معلناً عن استعداد بلاده لدعمهم، وهو ما اعترضت عليه موسكو ورفضته بشكل كامل، الأمر الذي ينذر بتوترٍ جديد بينها وبين أنقرة.

مما لا شك فيه أن الحكومة التركية تحاول بكلّ قوتها دعم تتار القرم في سيناريو مشابه لما حصل في قبرص عندما اجتاحها الجيش التركي قبل عقود وفرض فيها دولةً تركيّة بحكم الأمر الواقع، ذلك أن أغلب سكانها كانوا أتراكاً. وهو أمر يتكرر اليوم في القرم أيضاً مع فارقٍ ضئيل لما حدث في قبرص وهو غياب العسكر التركي على الأرض حتى الآن. ومع ذلك تتخذ أنقرة وجود أقلية تركية في الجزيرة ذريعة لتدخلاتها السياسية التي قد تصل إلى العسكري في أي لحظة.

وعلى الرغم من أن أنقرة تقدّم نفسها كوسيط بين روسيا وأوكرانيا حول الجزيرة، فإنها في الواقع تعدّ طرفاً في النزاع، فهي من جهة تستخدم أوكرانيا ضد روسيا نتيجة الخلافات الأمريكية مع موسكو، ومن ناحية أخرى تستغل وجود أقلية تركية في القرم لإظهار نفسها كمدافعٍ عن الأتراك في كلّ رقعةٍ من العالم، خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه حسابات داخلية مع معارضيه، ولذلك يحاول كسب القوميين المتشددين في أي انتخاباتٍ مقبلة بعد تراجع شعبيته في الآونة الأخيرة.

لكن اللافت أن الردّ الروسي على المتحدّث باسم وزارة الخارجية التركية، كان قاسياً وحاسماً، فقد اعتبرت ماريا زاخاروفا، المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن أنقرة لا يمكنها لعب دور الوسيط بين بلادها وأوكرانيا طالما أنها تواجه نفس المشكلة، وتعني بذلك مشكلة الأقليات العرقية والدينية في تركيا كالأكراد والأرمن والعلويين وغيرهم.

اللافت أكثر في تصريحات زاخاروفا تأكيدها على الردّ الروسي بالمثل على تركيا في حال استمرارها بالتدخل في أمور شبه جزيرة القرم، ما يعني أن موسكو قد تعمل أيضاً على ورقة الأقليات داخل تركيا، ما سيشكل تهديداً مباشراً على العلاقات الروسية – التركية، بالإضافة إلى أن موسكو تستطيع أيضاً تهديد أنقرة أكثر من خلال الورقة الكردية، لا سيما أنها كانت تعمل على إجراء مفاوضاتٍ بين الحكومة السورية وقوات “سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية. مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي تدهور في العلاقات السياسية بين موسكو وأنقرة سيؤدي أيضاً لتراجع اقتصادي كبير في تركيا.

وبالتالي من المحتمل أن تتراجع تركيا في حربها الكلامية ضد روسيا، ذلك أن أي تصعيد تركي ضد موسكو لن تكون نتائجه لصالح أنقرة، وقد ينتهي الأمر بها إلى الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم، فقد تراجع أردوغان مراراً في السابق بعدما رفع سقف توقعاته عالياً، وهو ذاته الذي لم يكن يريد أن يعترف بالإدارة المصرية الجديدة بعد سقوط الإخوان، لكنه عاد وتوسل إلى القاهرة وكأنه لم يقل أو يفعل شيئاً سابقاً!

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى