المجتمع الدولي لا كائن ولا يكون
لم يترك المعلقون والمحللون المتجمهرون على الفضائيات العربية والأجنبية، وفرسانُ قنوات الإنترنت، وما أكثرَهم، ما يمكن أن يضاف للتعليق على القلة القليلة من فضائح إيميلات وزيرة خارجية الدولة العظمى التي تتحكم بمصائر ثلاثة أرباع الكرة الأرضية.
شيء واحد لم يقله أحد منهم، وهو أن تلك الفضائح لا تبكينا على أحوالنا العربية، فقط، بل على شعوب الدول الصغيرة التي تشبه دولنا، في حاضرها، وفي غدها أيضا.
فأي حظ أسود ذلك الذي جعل واحدا كـ(باراك أوباما)، وواحدة كـ(هيلاري كلنتون) وثالثا كـ(جو بايدن) يقررون مصير مئات الملايين من البشر بمزاج مريض، وجنون منقطع النظير، فيوزعون الكوارث والمآسي على البيوت الآمنة في أرجاء الدنيا الواسعة، وبالأخص في بلاد ما يسمى بالوطن العربي المبتلى بجمهرة من المجانين المنحرفين والانتهازيين المستعدين، فطريا، لخيانة أوطانهم، وتقتيل أهلهم وذويهم، وحرق منازلهم، وتشريدهم، وإفقارهم، ونهب خيراتهم، وكبت حرياتهم، وحكمهم بالجهل والخرافة، وبالنار والحديد، مع سبق الإصرار والترصد، وهم يعلمون؟
والمُحزن أن ما يسمى بالمجتمع الدولي، بكل ما أنتج من شرائع وقوانين ولوائح وأنظمة تدعو إلى العدالة والسلام واحترام حقوق الإنسان وتحريم الاحتلال والغزو والاعتداء، أثبت لنا، وبالدليل القاطع، أنه أكذوبة صارخة. فلم يمانع ولم يعترض، يوما، على كل الظلم والعبث والاستهتار بأرواح الملايين من البشرية البريئة وحقوقهم وكراماتهم وأرزاقهم، ولو من باب رفع العتب.
يقول المستشار الرئاسي السابق، بين رودس، في كتابه “العالم كما ھو” إن إيران عرضت على أوباما، من أجل توقيع الاتفاق النووي، أن توقف نشاطھا النووي لمدة 10 سنوات مقابل رفع العقوبات وإطلاق يديھا، عبر میلیشیاتھا المختلفة، للسیطرة على المشرق العربي.
بعبارة أخرى، أن كل الدم الذي سال بسلاح الولي الفقيه وأمواله في العراق وسوريا ولبنان والیمن، وكل الزلازل والقلاقل، والحرائق والمشانق التي حدثت في الشرق الأوسط والعالم، وما زالت تحدث، وستبقى تحدث، وستظل الملايين من البشر تدفع أثمانها الباهظة لسنوات قادمة طويلة، كانت بجرة قلم من شخص واحد اسمُه باراك أوباما.
ويقول رودس إن رفع العقوبات، بعد توقيع الاتفاق، منح الخزينة الإيرانیة نحو 400 ملیار من واردات النفط، حولت منھا نحو 100 ملیار دولار لدعم تدخلاتها في سوريا والعراق والیمن ولبنان وأفريقیا والمغرب العربي.
ويؤكد أن أوباما كان يعرف أنها هي من يحرك داعش، لكن ھدفه كان هو التوصل إلى الاتفاق النووي، بأي ثمن.
وفي الكتاب يؤكد رودس أن أوباما يُكن كرها عميقا لكل ما هو عربي، ويعمل بكل جهده من أجل إذلال العرب.
شيء آخر، لقد أثبتت إيميلات هيلاري أن قطر، بأوامر أميركية واضحة وموثقة، تقوم بمهمة تمويل حكومات ومؤسسات وأحزاب وجماعات إرهابية من أجل نشر الفوضى والخراب والدمار في دول عديدة في الشرق والغرب، والمجتمعُ الدولي يرى ويسمع ويُطنش.
بل إن لقطر، برغم كل سلوكها المسموم المدمر هذا، في كل دولة كبرى وصغرى استثمارات ولوبيات. وحكوماتُ أميركا وأوروبا وروسيا والصين تتسابق لإرضائها، والتعامل معها، ولا تستحي.
ومايك بومبيو، وزير خارجية أميركا، يعلق على تغريدة نشرها المرشد الإيراني علي خامنئي، قبل يومين، حول السلاح النووي فيكتب على حسابه على تويتر، “إن الولايات المتحدة لن تسمح أبداً لأكبر راعٍ في العالم للإرهاب بالوصول إلى أخطر سلاح في العالم. نعم نستطيع ردعكم وسنفعل”.
إذن، فبعد نصف قرن من الغزو والاختطاف والاعتداء بالمفخخات والصواريخ والجواسيس على الحكومات والشعوب لا تملك أميركا القدرة على جر أذن الراعي الأكبر للإرهاب، الولي الفقيه. فعلى من تلعبون، وتناورون؟
والآخر، حليف تميم بن حمد ورفيقُه في الجهاد، أردوغان، خارج بسيفه وصولجانه يغزو ويتحدى ويشعل الحروب هنا وهناك، ويُنقّل مرتزقته من بلد إلى آخر، ويرسل جيوشه لاحتلال مدن وقرى في العراق وسوريا وليبيا، ويصول ويجول في البحر الأبيض المتوسط، وفي أرمينا وأذربيجان ويتحدى، ويهدد، والمجتمع الدولي في سبات طويل.
خلاصة القول، إنَّ تراخي المجتمع الدولي، ومعه أميركا، وعدم اتخاذ موقف حازم جدي ورادع يوقف أردوغان عند حده، ويقمع الولي الفقيه، رسالةٌ مكتوبة بالحبر السري تقول لكلٍ منهما: ولا يهمك، خذ راحتك، وافعل ما تريد.
* نقلا عن “العرب”