القمة الخليجية.. الفرصة الأخيرة لقطر لمراجعة حساباتها
عكرت إساءات الإعلام القطري ضد دول الرباعي العربي، أجواء ما قبل تعزيز الحوار الخليجي في قمة الرياض المرتقبة، وسط مخاوف من عدم جدية الدوحة المعتادة.
غير أن الرغبة في التصالح ولم الشمل دفعتا دول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، للمضي قدما في إرسال إشارات إيجابية حول القمة والتي تحمل، وفق خبراء عرب، فرصة ذهبية للدوحة للمراجعة وإعادة النظر في سياساتها ومواقفها المختلفة، والعودة للصف العربي.
وأكد 7 خبراء عرب من دول مجلس التعاون الخليجي، في أحاديث منفصلة لـ”العين الإخبارية”، على أن هذه الفرصة قد لا تتكرر مجددا أمام قطر لإنهاء أزمتها، موضحين أن القمة المنتظرة ستكشف عن الأطراف التي تسعى لتعزيز الحوار الخليجي، والطرف الذي يسعى لتخريبها.
وبرأي الخبراء، الذين أبدوا تفاؤلهم إزاء القمة، أنها ستحدد ما إذا كانت قائمة مطالب الدول الرباعي سيتم تنفيذها دفعة واحدة، أم على مراحل، داعين الدوحة لإبداء المرونة وعدم التمسك بأطراف إقليمية تستهدف أمن الخليج واستقرار المنطقة.
وتشهد المنطقة تحركات على قدم وساق للإعداد للقمة التي تستضيفها السعودية في الخامس من الشهر المقبل، وسط تطلعات أن تؤدي إلى مرحلة تعزيز الحوار الخليجي.
ومرت ثلاث سنوات على قرار الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، في 5 يونيو/حزيران 2017، قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر بسبب إصرارها على دعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم.
فرصة لن تتكرر
ضرار بالهول الفلاسي، عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي قال لـ”العين الإخبارية” إن “القمة الخليجية المقبلة فرصة لا تفوت للجانب القطري، الذي لا بد له من تقديم مبادرته لإنهاء أزمته والعودة للصف العربي لتعزيز الحوار والتقدم في مجريات الاتفاق العربي الخليجي كون أن الدول الخليجية تؤمن بأهمية مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية”.
ووفق رؤية “الفلاسي”، فإن “هذه المواجهة تتحقق من خلال منظومة محددة للجميع على أرض الخليج تحمي مصالحها وتترجم مواقفها باسمها خاصة بعد أزمة كورونا وما تركته من آثار على المستوي العالمي”.
وتابع: “لذا أرى أن هناك الكثير من الإجابات التي لا بد على قطر أن تقدمها خلال القمة والتي من خلالها ستوضح إمكانية المصالحة وإمكانية تقديمها وتطبيقها”.
وقال “الفلاسي” إن “الحل في الرياض لما تمثله الشقيقة الكبري المملكة العربية السعودية حاملة قوة واستقرار في المنطقة، ما يجعل القمة المقبلة فرصة لدراسة الأوضاع التي تعيشها المنطقة، ودراسة مسيرة مجلس التعاون وكل ما يعززها ويزيدها صلابة، بالإضافة إلى أنها تشكل فرصة لن تتكرر لقطر لإعادة النظر في مواقفها المختلفة”.
قمة المراجعة
خليل بن عبدالله الخليل، الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، قال لـ”العين الإخبارية” إن “الفرصة حانت للقيادة القطرية للعودة لحضنها الخليجي والعربي، بعد أن تهيأ المناخ، واتضحت الرؤية”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن” الدوحة تعرف أسباب لجوء الدول الأربع للمقاطعة كما تعرف جيداً كيفية إنهائها”.
وأوضح “الخليل”، وهو عضو سابق بمجلس الشورى السعودي، أن “المباحثات والمناقشات الخاصة والسرية والمعلنة حول تعزيز الحوار الخليجي، لم تترك شاردةً ولا واردة إلا درستها وأوضحتها”.
وأعرب المحلل السياسي السعودي عن تفاؤله بثمار القمة الخليجية المقبلة، قائلا: “لعل المقاطعة تنتهي بشكل كامل أو جزئي في مرحلة واحدة أو على مراحل”.
ونوه “خليل” إلى الممارسات القيادة القطرية ضد دول الرباعي، “حيث سخرت وسائل إعلامها المرئية والمكتوبة والمشاهدة ووسائل التواصل الاجتماعي لتبرير انصرافها عن محيطها”.
وأردف: “كما انحازت في قفزات غير محسوبة النتائج وخارج التقاليد الخليجية، رافعةً شعارات أكبر من حجمها وقدراتها، وبعد أن فتحت حدودها لأحزاب ودول وكيانات لا تضمر الخير لدول وشعوب مجلس التعاون الخليجي خاصة، ولا للعرب عامة”.
واعتبر المحلل السعودي أن “الفرصة أصبحت سانحة أمام قطر بعد نجاح الدبلوماسية الكويتية المهنية والهادئة في كسر الجليد وإقناع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي يحظى بثقة قادة دول المقاطعة بتعزيز الحوار الخليجي، بعد نجاحهم في الوقوف صفاً واحداً في تعاضد وتكامل ضد سياسات قطر المتناقضة”.
وخلص “خليل” إلى أنه “آن الأوان للمراجعة والتراجع، من أجل تصفية الأجواء وإنهاء المقاطعة، وتأسيس مفاهيم مسؤولة وآليات سليمة للوصول لحل المسائل الخلافية قبل تأزمها، خاصة أنه ليس بين قطر ودول الرباعي خلافات على مسائل جوهرية مثل الحدود أو مخلفات حروب سالت فيها الدماء، مما يتيح الفرص للتوصل إلى كلمةٍ سواء”.
أجواء تعكير ومخاوف
ومبديا مخاوفه إزاء أجواء ما قبل القمة الخليجية، قال الكاتب والمحلل السياسي البحريني عبدالله الجنيد لـ”العين الإخبارية”: “كلنا يتمنى أن تتمخض هذه القمة عن حل للأزمة، خصوصا بعد توجيه الدعوات لقادة الدول الأعضاء في المجلس، لكن ما هو مطلوب من القيادة السياسية القطرية هو إثبات حسن النوايا لا المزيد من المحاولات العبثية”.
ودلل “الجنيد” على هذه المحاولات بـ”زيارة وزير الخارجية القطري إلى موسكو، والتي بدا معها وكأنه يطلب تدخلا روسيا في الأزمة، ويتضح ذلك من إجاباته خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف” ، بحسب المحلل السياسي البحريني.
وشدد على أن “الوسيطين المتفق عليهما، هما الكويت والولايات المتحدة، وأن الدوحة هي من طلبت وساطتهما في هذه الأزمة”، مستنكرا “لجوءها إلى موسكو مع اقتراب قمة الرياض”.
ويرى المحلل السياسي البحريني أن “اتفاقيتي 2013 و2014 كفيلتان، إذا نفذت قطر ما تعهدت به، بعودتها لحضنها الخليجي والعربي”.
ومتطرقا لإجراءات الثقة المطلوبة للبدء في تعزيز الحوار الخليجي، قال: “كل ما تحتاجه القيادة السياسية القطرية هو حضور قمة الرياض ممثلة بأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ذلك هو ما سوف يؤكد جدية قطر من عدمها”.
وتابع:” الوسيط (الكويت) أكد على وجود إطار متفق عليه، ونتمنى ألا تغامر الدوحة مرة أخرى بتضييع هذه الفرصة”.
فرصة كاشفة
وفي قراءة للدروس المستفادة بعد مرور ٣ سنوات من المقاطعة، قال المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام إن “تعزيز الحوار الخليجي خطوة مشجعة خصوصا بعد ما تم تبريد الأزمة والآن نحن أمام فرصة لمراجعة الخسائر”.
وفي تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية”، أضاف أن “الدرس المستفاد أنه إذا كان هناك خلاف خليجي خليجي سيكون هناك أطراف متضررة وأطراف متضررة أكثر.. أيضا هي فرصة لقطر لمعرفة تأثير المقاطعة، وهي أحد الأمور الواضحة”.
ويعتقد “الشليمي” أن “السعودية قد تكون نافذة التصالح، وأن جلوس الأطراف معا كبادرة حسن نوايا، قد يثمر تنفيذ بعض الشروط على مراحل على مدى سنة كاملة”.
وفي تشخصيه للأسباب التي قد تدفع الدوحة للمراجعة والتراجع، قال: “قطر تحتاج الخليج أكثر وأمامها استضافة كأس عالم ٢٠٢٢ وتريد كل حدودها مفتوحة وناجزة، وأن تأتي الجماهير إليها.. كما أن شركاء قطر في أسوأ أحوالهم سواء الأتراك أو الإيرانيين حيث أصبحوا غير مرغوبين عالميا”.
وذكر “الشليمي” باختراق مفهوم السيادة من خلال دخول قوات أجنبية في قطر من كل الأطراف، فكبدت معها الميزانية القطرية المليارات، التي رأى أن” تقديمها، على الأقل، للشركاء الخليجيين بدلا من أنقرة وطهران، كان سيعود بالفائدة المشتركة للجميع”.
وتابع: “على الجانب القطري أن يدرك أهمية إعادة النظر في سياساته سواء التصعيد الإعلامي أو حملات الذباب الإلكتروني”.
وإلى جانب اعتبار القمة المقبلة، فرصة للمراجعة والتراجع، اعتبرها المحلل السياسي الكويتي فرصة مكاشفة، قائلا: “السعودية أرادت أن يكون هناك حوار غير مشروط في محاولة أخيرة لإقناع الأطراف الأخرى ما إذا كان هناك جدوى للحوار مع قطر أم لا”.
مرونة منتظرة
الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي عايد المناع تحدث بدوره لـ”العين الإخبارية” قائلا إن “القمة الخليجية ستكون فريدة من نوعها وربما تأتي بالأهمية والخطورة بعد قمة الدوحة في قطر أثناء فترة احتلال النظام العراقي للكويت، حيث تأتي بعدما تصدع الوضع الخليجي”.
وتابع: “أصبح هناك خلاف واضح بين ثلاثة من الدول الخليجية بالإضافة إلى مصر مع دولة قطر علي نقاط محددة أرسلتها الدول المختلفة مع قطر عبر الوسيط الكويتي عام ٢٠١٧” .
المناع أوضح أن “القمة ستجيب عن تساؤلات هامة مثل هل تم الانتهاء من هذه المطالب، أم سيتم تأجيل تنفيذها، وهل ستنفذ المطالب جزئيا على أن تنفذ البقية لاحقا”.
وأردف: “القمة ستكون فرصة لمراجعة كل طرف لوضعه.. وبالتأكيد دول الرباعي تمثل طرفا وقطر تمثل طرفا آخر، ومن مصلحة هذه الدول جمعاء أن تنظر إلى كيفية التغلب على هذه الوضع الذي لا شك أثر على مجلس التعاون”.
ووفقا للمحلل السياسي الكويتي، فإن “قطر تعرف بأنها هي المتضرر الأكبر، لذلك مهم ألا تبالغ الدوحة في الاعتماد على التحالفات مع دول إقليمية مثل إيران وتركيا، مشددا على أن البعد الأساسي لقطر هو دول مجلس التعاون والمنطقة العريية.
ولفت المناع إلى أنه “من مصلحة قطر إظهار نوع من المرونة وأن تبدي ولو بشكل ضمني الاستعداد للاستجابة لبعض المطالب خاصة التي تمس الأمن الخليجي والمصري”.
ومشخصا أحد أهم أسباب الخلاف القطري الخليجي، قال: “مساندة الدوحة لقوة مسلحة وقوة سياسية معادية للنظام في مصر هي من أسباب انفجار الموقف، لأن السعودية والإمارات تدعمان مصر، كما أن البحرين والكويت وعمان ليسوا بمنأى عن مساندة القاهرة”.
وخلص “المناع” إلى أن “القمة المقبلة قد تكون الأخيرة لحل الأزمة أو ربما تُرحَل بعض الأمور إلى قمة أخرى”، متناولا بعدا آخر في أهمية القمة بقوله: “قد تنشب حالة حرب أو عمل عسكري في المنطقة، سواء كانت حربا إيرانية أمريكية أو صراعا مسلحا بحريا، سنكون في دول مجلس التعاون ومنها قطر في فوهة البندقية”.
وشدد قائلا: “تضامننا وتعاوننا هو الضامن لحماية أمننا ولا ينبغي إطلاقا السماح باختراق مجلس التعاون وخلخلته من الداخل”.
بدوره، أعرب النائب الكويتي السابق يعقوب عبدالمحسن الصانع عن تفاؤله إزاء مخرجات القمة المرتقبة، قائلا: “متفائل جدا بالقرارات والتوصيات التي ستنجم عن القمة، وأعتقد أنها ستكون على مستوى التحديات في المنطقة، كذلك فرصة سانحة بجميع الأشقاء لرأب الصدع”.
وأضاف: “نحن الكويتيين يهمنا أن يكون هناك وفاق خليجي ووحدة خليجية.. ونأمل أن تصل أهداف هذه القمة إلى غايتها وتحقق آمال وطموحات الشعوب العربية في عودة مجلس التعاون الخليجي كسابق عهدها”.
وأثنى الصانع، الذي شغل منصب وزير العدل سابقا، على دور الرياض في استضافة هذه القمة، بقوله “بالتأكيد نتوجه للمملكة العربية السعودية بكل التقدير والعرفان على دعوتها التي تعكس يقينها وحرصها على الدفع بالعمل الخليجي المشترك لكل ما يتطلع إليه شعوب دول المجلس وسط صعوبات وتحديات تعيشها المنطقة والعالم”.
المحطة الأخيرة
من جانبه، قال المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله إن القمة “ستكون من بين الأهم في تاريخ مجلس التعاون الخليجي وستكون أيضا الفرصة الأهم لطي صفحة الخلاف الخليجي الذي طال بأكبر مما كان متوقعا”، مشيرا إلى أنه “حان وقت تجاوزه لإعادة اللحمة والأخوة الخليجية من جديد”.
وفي تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية”، أضاف عبدالله أن “الأجواء الخليجية إيجابية كما ذكر الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في تغريداته الأخيرة، لذلك فإن القمة هي المحطة الأخيرة لقطار المصافحة والمصارحة الخليجية الذي تحرك ولا توجد قوة توقفه من جديد رغم وجود عراقيل وتفاصيل اللحظة الأخيرة”.
وأبدى “عبدالله” تفاؤله إزاء فرص تعزيز الحوار الخليجي، قائلا إن “العواصم الخليجية بما فيها الدوحة متفائلة ومستبشرة خيرا من نتائج القمة، لأن الدوحة بشكل خاص تدرك أنها لا تستطيع أن تحلق خارج السرب الخليجي طويلًا وكثيرًا ولا تود أن تكون منبوذة من أقرب الدول إليها”.
وتوقع المحلل السياسي الإماراتي أن “تقدم الدوحة ما يكفي من ضمانات لتكون عند حسن ظن الرياض وبقية العواصم الخليجية، وأن يكون عام 2021 عام ما بعد أزمة الخليج وستعزز دول الخليج العربية من جديد موقعها ودورها كمركز الثقل العربي الجديد خلال النصف الأول من القرن 21”.
المحلل السياسي العماني سالم بن الجهوري قال إن “قمة دول مجلس التعاون المقبلة استثنائية، مشبها إياها بقمة تأسيس مجلس التعاون في أبوظبي 21 مايو 198 والتي جاءت تتويجا للجهود التي بذلها عدد من أصحاب الجلالة والسمو بدول مجلس التعاون خلال السنوات التي أفضت إلى القمة التاريخية”.
وفي تصريحات لـ”العين الإخبارية”، قال الجهوري، وهو باحث متخصص في الشؤون الدولية، إن “القمة المقبلة يراد منها تصويب بعض المسارات التي تعثرت خلال السنوات الأخيرة الماضية، وتهدف إلى انطلاقة أخرى جديدة في المجلس ووضع المزيد من الآليات والضوابط كإنشاء مرجعية للفصل في مثل حالات النزاع بين الدول الأعضاء أو وجود هيئة تحكيم أو مجلس حكماء تقبله الأطراف”.
ويعتقد “الجهوري” أن “القمة المقبلة تعد فرصة كبيرة ومناسبة لعودة الجميع إلى تعزيز مرجعيات المجلس والبناء عليها بنوايا صادقة تخدم أبناء الدول الست”، لافتا إلى أن “الجميع ينتظر القمة بفارغ الصبر”.
وتابع: “أيضا القمة تعد فرصة كبيرة لتعزيز الدول الست أدوارها وتستطلع قدراتها بالمساهمة في بناء هذه المنظومة المؤثرة سياسيا واقتصاديا على المسرح الدولي”.
ومستكملا الثمار المنتظرة من القمة المقبلة، قال “الجهوري” إنها “تمهد الطريق إلى بناء المزيد من الثقة والتفاهم حول عدد من القضايا والملفات الساخنة التي تؤثر في الإقليم وتتأثر به، والتفاهم على إيجاد الحلول لها وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتوحيد الرؤى التي يمكن أن تعزز دور المجلس وتجعله أكثر تأثيرا وقدرة على توجيه الأحداث، وترسم خط مسار مهم في صياغة التعاون وفق التفاهمات ونظام المجلس وتأخذ في الاعتبار مصالح الدول الست وسيادتها”.