سياسة

العمالة في قطر.. حقوقهم لا تسقط


ما هو الملف الأبرز الذي يمكن أن تسلط عليه الضوء جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان خلال هذا العام؟

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، يكون الرد السريع والمنطقي على سؤالنا أعلاه هو ملف العمالة في دولة قطر، نتيجة لحالة تكرار الاختراقات والتشظي فيه من عمالة بناء ملاعب نهائيات كأس العالم 2022 إلى العمالة المنزلية ومع مرور الوقت تظهر نوعية أخرى من أزمات هذا الملف الإنساني في أسوأ عام يمر على الإنسانية حيث تعاني الدول والمجتمعات الغنية من تداعيات أزمة فيروس كورونا فكيف الأمر بمجتمعات فقيرة تنتظر تحويلات من أبنائها. 

لذا فهذا الملف يستحق أن يحتل صدارة التقارير العالمية لحقوق الإنسان انطلاقاً من نقطتين. الأولى: أنه في الوقت الذي كانت فيه المنظمات الإنسانية تنتظر أن تقوم حكومة نظام الحمدين بمعالجة المشاكل التي سُجلت في هذا الملف، كشفت آخر التقارير في هذه القضية، أن الأزمة العمالية في قطر في تصاعد “وانشطار”، لتتوالد منها أزمات أخرى منها حالات الانتحار والتسول وقد حمل أحد التقارير الصادرة لتلك المنظمات وصف ما يتم في قطر بأن الحكومة “تسرق أجور” العمالة، كنتيجة لوصف الحالة المزرية في عدم القدرة حتى على شراء طعام أو توفير السكن لهم، وليس إرسال أموال إلى أهلهم في بلدانهم الأصلية.

النقطة الثانية، التي تفرض على أن تكون هذه الأزمة متصدرة لحقوق الإنسان: القيم الإنسانية والأخلاقية التي تفرضها كل المبادئ الدينية والعالمية، فالمصيبة أن الأزمة تحصل في واحدة من أغنى الدول في العالم وتمتلك واحدا من أكبر الصناديق السيادية في العالم ويفترض ألا يمثل لها راتب عامل عبئاً في ميزانيتها. كما أنها حدثت في دولة تستعد لتنظيم واحدة من أضخم الفعاليات العالمية “كأس العالم 2022” وبالتالي ينتظر أن تقدم أفضل صورة عن احترامها لحقوق الإنسان، بدلاً من تلك السمعة السيئة والرائجة عنها في تمويل الإرهاب والمنظمات المتطرفة وشراء الذمم في المؤسسات العالمية.

واحد من الخيارين قد يفسر استمرار هذه الملف مفتوحاً منذ فترة طويلة ودون إغلاقه، وهو إما أن هناك غيابا في إدراك القائمين على الملف العمالي في الحكومة القطرية بأن هذه العمالة التي تعتمد على هذا الأجر البسيط هي الأحق بالأموال التي يدفعها نظام الحمدين في دعم تنظيمات إرهابية، أو شراء مواقف من قادة حروب في مناطق أزمات مثل أفغانستان وتمويل مغامرات نظام أردوغان الساعية في تخريب وزعزعة الاستقرار العالمي. أو أن حدة الموقف الدولي في دفع حكومة قطر لاحترام التقارير الدولية وما تحمله من ملاحظات لم تصل إلى الدرجة التي ينبغي أن يحس بها هذا النظام فاقد الإحساس الإنساني، لأنها اعتادت على التحايل والتهرب من كل الالتزامات الدولية والإنسانية.

نعتقد أنه لن تكون هناك مناسبة أفضل منلتسجيل انزعاج عالمي عالي الصوت لمصلحة العامل البسيط، فهذا أبسط حقوقه بل إن تفكير مسؤولي المنظمات الحقوقية في رفع قضايا لاسترداد أجورهم مقابل العمل الذي قاموا به، هذا من غير الذين ماتوا نتيجة ساعات عمل طويلة أو نتيجة لعدم توفير بيئات مناسبة لعمل الإنسان، أمر ينبغي أن يكون ضمن الأجندات التي تم وضعها، وإلا كان هذا اليوم العالمي نوعا من احتقار لحقوق الإنسان.

على كل، بات يتراجع الإعجاب العالمي بدولة قطر التي شغلت يوماً ما المجتمع الدولي قبل أن يتم فضح أمرها. وهذا التراجع واضح بشكل كبير في مجالي: الإعلام والتمويل، اللذين ملآ العالم ضجيجاً. والسبب حالة الارتباك الواضح في اختيار الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة، الذين استطاعوا أن يوظفوا الخدمات القطرية الإعلامية والمالية في محاربة أشقائها وشراء ذمم كل من يعمل ضد الدول المكافحة للإرهاب، إلى درجة أنه لم يعد يستطيع دفع رواتب لعمال بسطاء. واليوم تبدو قطر بعد أقل من أربع أعوام من المقاطعة الخليجية في وضع اقتصادي صعب رغم مكابرتها مع الدول الأربع، وهذا كان متوقعاً ويبدو عليه الآن أنه ليس وضعا طارئاً أو يمكن حله بسهولة بل هو مستمر وعميق.

المسؤول الوحيد عما يحدث الآن من انتهاكات العمالة في قطر هو نظام الحمدين، نتيجة لسياساته غير الواعية وأفعاله “الغلط”، وعليه فالمأمول في “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، هو تفاعل المجتمع الدولي والسلطات التابعة للمنظمات الدولية التي لا بد أن تكون في اتجاه حماية العمالة التي تعمل في قطر.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى