سياسة

العقوبات الأمريكية وامتحان أردوغان الأصعب


سعت واشنطن طويلا لإقناع أردوغان بعدم المضي في صفقة صواريخ إس – 400 الروسية، لكن كل جهودها وتهديداتها لم تنفع معه.

بل كل أردوغان في مناسبة يرفع سقف خطابه، ويرد على المسؤولين الأمريكيين بلهجة الاستقواء، مستندا في ذلك إلى المرتزقة وكمية الأسلحة التي استخدمها في هذه التدخل بشؤون دول المنطقة، وربما اعتقد أردوغان أن الأسلحة التي يمتلكها، ستمكنه من فرض سياساته وشروطه هنا وهناك، في طريقه إلى تحقيق طموحاته الاستعمارية، قبل أن يرى أن تركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة، والدولة العضو في الحلف الأطلسي، تدرج في قائمة العقوبات الأمريكية إلى جانب إيران وكوريا الشمالية وروسيإ، لتكون تركيا بذلك الدولة الأطلسية الأولى والوحيدة التي تتعرض لمثل هذه العقوبات من قبل الولايات المتحدة.

أردوغان المعروف بالعنجهية والتصريحات “النارية” الفارغة، ربما لم يحس بعد بوقع العقوبات الأمريكية على بلاده، وتحديدا على “صناعاتها العسكرية”، تلك الصناعات التي خصص أردوغان لها أكثر من ستين مليار دولار خلال السنوات الماضية على حساب لقمة الشعب التركي، من أجل استخدامها في حروبه العبثية، والنقطة الجوهرية التي يتناسها أردوغان أو يتغاضى عنها، هي أن معظم هذه “الصناعات” عبارة عن محركات، تستوردها تركيا من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بموجب تراخيص خاصة، وصفقات عسكرية، إلى درجة أن التقارير تؤكد أن ما بين 45٪ إلى 50٪ من القطع الأساسية الداخلة في تركيبة هذه الصناعات هي من الدول المذكورة.

وعليه، فإن العقوبات الأمريكية تشكل ضربة قاصمة لهذه الصناعات وتصيبها في الصميم، ولعل من الأمثلة البارزة على هذا الأمر، الطائرات الهجومية التي عقدت تركيا صفقات لبيعها إلى كل من كوريا الجنوبية والفليبين، إذ إن محركاتها أمريكية بالكامل، كذلك الطائرات التي تصنعها تركيا من نوع إف – 16 كلها أمريكية، كما أن العديد من القطع الأساسية التي تدخل في صناعة المسيرات التركية من نوع البيرقدار هي أوروبية وكندية، وهناك عشرات من الأمثلة عن باقي الصناعات. إذن كيف سيكون حال هذه الصناعات في ظل العقوبات الأمريكية التي تمنع وصول كل هذه القطع الأساسية إلى تركيا ؟

في الواقع، ربما الفضيحة التي حصلت قبل أكثر من أسبوع، وعلى الهواء مباشرة، تشكل الجواب الأنسب والأقصر على هذا السؤال، وذلك عندما فشلت جميع المحاولات لتشغيل أول محرك محلي تركي لطائرة مقاتلة، في وقت كان أردوغان يتحدث بالصوت والصورة مع المسؤولين الأتراك عن تشغيل هذه الطائرة دون جدوى، وهو جواب يحيلنا للقول إن أردوغان حول تركيا إلى مجمع لشركات الأسلحة العالمية وليست دولة مصنعة للأسلحة كما يتخيل أردوغان.

وقبل قضية وقف توريد قطع الأسلحة، فإن الخسائر المباشرة لتركيا بسبب صفقة إس – 400 كانت كبيرة جدا، فإلى جانب إخراجها من صناعة طائرات إف – 35 المتطورة، و وقف واشنطن صفقة بيع أكثر من مئة طائرة من هذا النوع لها، فقدت حاملة طائرات الأناضول التركية التي صنعت خصيصا لهذه الطائرات قيمتها بالكامل، إذ إن هذه الحاملة صممت للهبوط العمودي والإقلاع السريع وفقا لتصميم طائرات إف – 35، ومع خسارة هذه الصفقة لم تعد لهذه الحاملة أي قيمة عسكرية حتى لو ادعى المسؤولون الأتراك غير ذلك.

وأكثر من الخسائر المباشرة التي ستلحق بالصناعات العسكرية التركية، فإن العقوبات الأمريكية رسمت ملامح مرحلة جديدة من العلاقات التركية – الأمريكية، وهي مرحلة تشي بالصدام في ظل قدوم إدارة أمريكية جديدة بزعامة الرئيس المنتخب جو بايدن الذي وجه مرارا انتقادات لاذعة لأردوغان وسياساته، وهو ما يعني أن الخلافات الأمريكية – التركية ذاهبة إلى المزيد من التفاقم والصدام في ظل السياسة التصعيدية التي يتبعها أردوغان في المتوسط واليونان وتركيا وليبيا وسوريا والقوقاز. من دون شك، وضعت العقوبات الأمريكية ضد تركيا، نظام أردوغان أمام الامتحان الأصعب، فاستمراره في سياسة التحدي والعناد سيضعه أمام عقوبات أمريكية وأوروبية أشد وأقسى، في وقت ينهار اقتصاده وليرته، فيما الرضوخ لهذه العقوبات، ولاسيما التخلي عن إس – 400، سيفقده شعبيته في الداخل، والأهم سيضعه في لعبة خطيرة مع القيصر بوتين بعد أن نجح الأخير في جره إلى فخ منظومته الصاروخية، إذ إن القيصر قادر على إحراق أصابعه المنغمسة في دماء السوريين والليبين والعراقيين والأرمن والأكراد وغيرهم من الشعوب التي عبث السلطان الواهم بدمائهم، وجغرافيات بلدانهم، وهوياتهم الحضارية والثقافية، متاجرا بالشعارات الأخلاقية والدينية والإنسانية، مستولدا المرتزقة من دكاكين جماعات الإسلام السياسي ولاسيما مصنعهم التاريخي الإخوان المسلمين.

أردوغان بين فخ القيصر الروسي ومطرقة الغرب المدمرة، يجد نفسه في زاوية صعبة، بين أن يتحول إلى خميني تركيا من خلال زيادة منسوب التعبئة الدينية والقومية في الداخل التركي أو أن يجري مراجعة شاملة لسياسته وأحلامه، واتباع سياسة واقعية تضع حدا لمشاريعه التوسعية، فزمن السلاطين انتهى إلى غير رجعة، كما أن رقصة البهلوان بين موسكو و واشنطن لم تعد مجدية وغير ممكنة. والقضية هنا، لم تعد تتعلق بصفقة الأسلحة التي عقدها أردوغان مع بوتين فحسب، بل بمجمل السلوك التركي المهدد لأمن العديد من دول العالم.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى