حوادث

العدالة تحسم القضية.. عقوبة 7 سنوات لأم عراقية حاولت المتاجرة بطفلتها


شهد الشارع العراقي اليوم الأربعاء صدمة كبيرة بعد صدور حكم قضائي من محكمة جنايات الكرخ في بغداد، يقضي بسجن أم ومتهمة أخرى لمدة سبع سنوات، على خلفية ارتكابهما جريمة الاتجار بالبشر، إثر محاولتهما بيع طفلة بمبلغ عشرين مليون دينار عراقي.
هذه الواقعة التي حملت أبعاداً مأساوية، لم تكن مجرد جريمة جنائية عابرة، بل قضية إنسانية عميقة أثارت جدلاً واسعاً حول تراجع القيم الأسرية، وضغوط الفقر، وخطورة شبكات الاتجار بالبشر التي تستغل هشاشة الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

تفاصيل الحكم القضائي

بحسب بيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى، فإن الأم المتهمة، وبالاشتراك مع امرأة أخرى، أقدمت على محاولة بيع ابنتها الطفلة في إحدى مناطق العاصمة بغداد، مقابل مبلغ مالي قدره عشرون مليون دينار. وبعد ضبط الجريمة والتحقيق فيها، صدر الحكم استناداً إلى المادة 6 (أولاً وخامساً) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، وبدلالة مواد الاشتراك (47 و48 و49) من قانون العقوبات العراقي، مع الأخذ بالاعتبار المادة 132/2 التي تتيح للمحكمة النظر في الظروف المشددة للجريمة.

الحكم بالسجن سبع سنوات عُدّ من قبل القانونيين حكماً متوسطاً من حيث الشدة، لكنه عكس بوضوح حرص القضاء العراقي على مواجهة هذه الظاهرة التي تمثل خطراً على أمن المجتمع وسلامة أفراده، وخاصة فئة الأطفال.

صدمة مجتمعية وغضب شعبي

القضية سرعان ما تحولت إلى حديث وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر كثيرون عن صدمتهم من كون الأم نفسها – التي من المفترض أن تكون الحضن الآمن لطفلتها – تتحول إلى تاجر يحاول بيع فلذة كبده. اعتبر ناشطون أن هذه الجريمة تعكس انهياراً قيمياً وأخلاقياً خطيراً، فيما دعا آخرون إلى ضرورة البحث في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي قد تدفع بعض الأمهات إلى ارتكاب جرائم من هذا النوع.

جذور الظاهرة: الفقر والاضطرابات الأمنية

العراق، الذي يعاني منذ سنوات من تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، يشهد تفشي ظواهر سلبية مثل البطالة، الفقر، والعنف الأسري. وتشير تقارير منظمات دولية إلى أن النساء والأطفال غالباً ما يكونون الفئة الأكثر هشاشة في ظل هذه الظروف، ما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل شبكات الاتجار بالبشر.
وفي حالات كثيرة، تلعب الحاجة المالية دوراً محورياً في دفع بعض الأفراد إلى التفكير في خيارات غير إنسانية، تصل إلى حد بيع الأطفال أو استغلالهم.

البعد القانوني: مكافحة الاتجار بالبشر في العراق

منذ إقرار قانون مكافحة الاتجار بالبشر عام 2012، سعت السلطات العراقية إلى ملاحقة هذه الجرائم وتشديد العقوبات بحق مرتكبيها. ينص القانون على عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد أو حتى الإعدام في بعض الحالات التي تتعلق بالاتجار المنظم أو إذا كان الضحايا من الأطفال.
ومع ذلك، يرى خبراء أن تطبيق القانون وحده لا يكفي، بل لا بد من وجود منظومة متكاملة تشمل التوعية، والدعم الاجتماعي، وبرامج حماية الطفولة، إضافة إلى توفير بدائل اقتصادية للأسر الفقيرة التي قد تجد نفسها عرضة لمثل هذه الانزلاقات.

الآثار النفسية على الطفلة

إلى جانب الجانب القانوني، يبقى السؤال الأهم متعلقاً بمصير الطفلة التي تعرضت لهذه المحاولة المؤلمة. المختصون النفسيون يؤكدون أن هذه التجربة قد تترك جروحاً عميقة في نفسية أي طفل، خاصة حين يكتشف أن والدته حاولت التخلي عنه مقابل المال.
ويحذر الخبراء من أن عدم توفير دعم نفسي واجتماعي للطفلة قد يقود إلى مشكلات طويلة المدى، مثل فقدان الثقة بالأسرة والمجتمع، أو الدخول في دوامة من الاضطرابات النفسية.

دعوات لإصلاحات مجتمعية شاملة

القضية دفعت العديد من الناشطين والباحثين الاجتماعيين إلى تجديد الدعوات بضرورة تعزيز برامج حماية الأسرة والطفولة في العراق، وتكثيف حملات التوعية بخطورة الاتجار بالبشر. كما شددوا على ضرورة توفير شبكة أمان اجتماعي للفقراء، حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين للجوء إلى خيارات مأساوية تهدد مستقبل الأبناء.


خلاصة

إن حادثة محاولة الأم بيع طفلتها لم تكن مجرد جريمة جنائية اعتيادية، بل ناقوس خطر يذكرنا جميعاً بضرورة مراجعة واقع المجتمع العراقي، والبحث في جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي قد تدفع البعض إلى مثل هذه الانحرافات.
فالطفل الذي يصبح سلعة معروضة للبيع، إنما هو انعكاس لمجتمع يحتاج إلى إصلاحات عميقة، تبدأ من تعزيز القوانين الرادعة، ولا تنتهي إلا عند بناء منظومة حماية شاملة تصون كرامة الإنسان وحقوق الطفل.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى