العالم على المحك.. إيران تقترب من السلاح النووي وفق تقرير دولي صادم

من جديد، يقف البرنامج النووي الإيراني في قلب عاصفة جيوسياسية تهدد بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، فبعد أسابيع قليلة من الضربات الإسرائيلية – الأمريكية التي استهدفت منشآت حساسة داخل إيران، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير سري عن مؤشرات صادمة، طهران باتت على بعد خطوات قليلة من مستوى تخصيب يضعها على حافة إنتاج سلاح نووي، وبينما يصف خبراء الوضع بـ”المنعطف الأخطر” منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، تتصاعد الهواجس الدولية من أن الضربات العسكرية، مهما بلغت شدتها، لم تعد كافية لوقف مسار إيران النووي.
في المقابل، تتمسك طهران بخطابها الرسمي بأن أهدافها “سلمية”، لكنها تغلق الأبواب أمام المفتشين وتزيد من وتيرة التخصيب، لتفتح الباب أمام سيناريوهات مفتوحة تبدأ من التصعيد الميداني ولا تنتهي عند طاولة المفاوضات.
أرقام مقلقة تتجاوز الخطوط الحمراء
كشف التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي اطلعت عليه وكالة “أسوشييتد برس”، أن إيران راكمت حتى منتصف يونيو مخزونًا من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% بلغ 440.9 كيلوغرام، وهو مستوى لا يبتعد سوى خطوة عن نسبة 90% المصنّفة دوليًا باعتبارها “درجة صناعة الأسلحة”.
الأخطر أن هذه الأرقام جاءت قبيل الهجوم الإسرائيلي المباشر في 13 يونيو، ما يعني أن طهران كانت قد وصلت إلى مستويات إنذار قصوى قبل الضربات.
وبحسب تقديرات الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغرامًا من يورانيوم 60% تكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة في حال خضع لمزيد من التخصيب، ما يجعل المخزون الحالي أكثر من كافٍ لفتح الباب أمام سيناريوهات عسكرية مقلقة.
غياب التفتيش وتعليق التعاون
إلى جانب الأرقام، تبرز مشكلة أخطر تتمثل في غياب الرقابة، فقد سُحب مفتشو الوكالة من إيران مع بداية الضربات الإسرائيلية لأسباب أمنية، وهو ما وصفته الوكالة بأنه “إجراء اضطراري”، لكنها في الوقت نفسه اعتبرت قرار طهران تعليق التعاون ووقف دخول المفتشين بأنه “مؤسف للغاية”.
غياب الرقابة يضاعف المخاوف الدولية، إذ يجعل تقييم الوضع الميداني الفعلي للبرنامج النووي الإيراني أكثر صعوبة، ويفتح المجال أمام الشكوك بشأن طبيعة الأنشطة الجارية خلف الأبواب المغلقة.
الولايات المتحدة، التي تعتبر امتلاك إيران للسلاح النووي “خطًا أحمر”، لم تُخفِ قلقها، ورغم تحفظ الخارجية الأمريكية على التعليق المباشر على التقرير، أكد متحدثها الرسمي أن واشنطن ستبقى “يقظة” وستتخذ “كل الإجراءات الضرورية” لمنع طهران من الوصول إلى السلاح النووي.
هذه اللهجة جاءت بعد شهر من ضربات أمريكية استهدفت ثلاثة مواقع داخل إيران، وصفها الرئيس دونالد ترامب بأنها أحدثت “دمارًا هائلًا”، بل وذهب إلى استخدام كلمة “إبادة” لوصف حجم الخسائر.
لكن تقديرات استخبارات الدفاع الأمريكية رسمت صورة مغايرة؛ فالضربات لم تُلغِ البرنامج بل أجلته لأشهر قليلة، ما أدى إلى خلافات داخل الإدارة انتهت بإقالة رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، الفريق جيفري كروز.
إسرائيل وعقيدة الضربة الاستباقية
منذ سنوات، تبني إسرائيل سياستها تجاه إيران على قاعدة واضحة، “لن نسمح لها بامتلاك قنبلة نووية”، وقد تجسدت هذه العقيدة في هجوم 13 يونيو.
غير أن تقرير الوكالة أثبت أن طهران وصلت إلى مستويات تخصيب خطيرة قبل القصف، ما يطرح تساؤلات عن جدوى الضربات، خاصة أن التجارب السابقة تُظهر قدرة إيران على إعادة تشغيل منشآتها النووية بسرعة وتطوير تقنيات بديلة.
ورغم ذلك، تواصل إسرائيل التلويح بخيارات عسكرية جديدة، معتبرة أن أي تراخٍ سيُكلفها وجوديًا في المستقبل.
طهران خطاب “سلمي” وواقع مغاير
من جهتها، تكرر إيران أنها تسعى فقط لتوليد الطاقة وإنتاج النظائر الطبية، لكن معطيات الواقع لا تدعم هذا الادعاء، فإيران تبقى الدولة الوحيدة غير النووية التي تخصّب اليورانيوم عند مستوى 60%، وهو مستوى لا يرتبط بأي استخدام مدني معروف.
إضافة إلى ذلك، يثير قرارها تقييد دخول المفتشين شكوكًا إضافية، في وقت يزداد فيه الضغط الإقليمي والدولي عليها. هذا التناقض بين الخطاب والممارسة يجعل النوايا الإيرانية محل تساؤل مستمر.
في ظل هذا المشهد المعقد، تبدو الأزمة مفتوحة على عدة احتمالات، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، دعا إلى استئناف فوري لعمليات التفتيش وإلى ترتيبات فنية عاجلة تضمن الشفافية.
لكن تجاوب طهران سيظل رهين موازين القوى على الأرض، وضغط واشنطن وتل أبيب، وكذلك مواقف موسكو وبكين اللتين تريان في إيران شريكًا استراتيجيًا.
ورغم أن الضربات العسكرية قد تبطئ البرنامج النووي، إلا أنها لا توقفه، وهو ما يدفع مراقبين إلى القول إن أي حل حقيقي لن يكون عسكريًا فقط، بل يتطلب إطارًا سياسيًا ودبلوماسيًا جديدًا يُعيد إيران إلى طاولة التفاوض من موقع مختلف.
فرص العودة تتضاءل
يرى الدكتور محمد خيري، خبير الشؤون الإيرانية، أن ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة نووية تقليدية، بل انعكاس لتحولات أعمق في العقيدة الإيرانية واستراتيجيتها الإقليمية.
ويؤكد أن طهران تنظر إلى برنامجها النووي باعتباره ورقة ردع قصوى، تعزز من مكانتها التفاوضية وتمنحها حصانة ضد أي محاولة لتغيير النظام من الخارج.
ويربط خيري بين مسار التخصيب المتسارع وبين رغبة القيادة الإيرانية في استثمار اللحظة الدولية الراهنة، حيث تنشغل واشنطن بأزمات متعددة، بينما تجد إسرائيل نفسها أمام بيئة إقليمية معقدة بعد حرب غزة وتوتر جبهتها الشمالية مع لبنان.
ويضيف خيري أن الضربات العسكرية، مهما بلغت قوتها، لم تنجح تاريخيًا في وقف طموح إيران النووي، بل على العكس، غذّت سرديتها الداخلية عن “المظلومية” ودفعتها إلى تسريع العمل في منشآت سرية.
ويشير إلى أن المعضلة الحالية تتجاوز الحسابات النووية إلى معركة هوية: هل تقبل إيران بالاندماج في النظام الدولي وفق شروط الغرب، أم تواصل طريقها نحو “قوة نووية بحكم الأمر الواقع”؟
وبحسب خيري، فإن فرص العودة إلى اتفاق نووي جديد تتضاءل كل يوم مع استمرار التصعيد، ما يجعل المنطقة مقبلة على مفترق طرق، إما انفجار عسكري واسع، أو تسوية سياسية صعبة تتطلب تنازلات مؤلمة من جميع الأطراف.