تمر اليوم الذكرى التاسعة لثورة 30 يونيو/حزيران المجيدة، وسط أمواج من الهزائم تلاحق تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية.
وتعود أهمية الثورة إلى أنها كانت بداية الخلاص من جماعة الإخوان، وشن حرب شاملة ضد التطرف والإرهاب، ولأنها أعادت مصر إلى المصريين، وأَفشلت المؤامرات الخارجية، لذا ستظل ثورة الثلاثين من يونيو علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث وأكبر من مجرد انتصار على الإخوان.
لم تكن الثورة سهلة أو نزهة، بل كانت تجسيدًا لإرادة شعب حارب وتصدى لقوة رجعية تآمرت لتغييب وعيه وإحلال قيم التنظيم محله.. جاءت الثورة في ظاهرها ضد “جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية”، وفي حقيقتها كانت استكمالا لمتطلبات الدخول إلى عصر جديد وإلى جمهورية جديدة، بعد أن تآكلت شرعية الجمهوريتين الأولى والثانية، فقد بدا أن عصر ما قبل 25 يناير 2011 قد أصابه العجز والشيخوخة، ولم يعد قادرًا على تلبية رغبات وطموحات الشعب المتطلع إلى عهد جديد، وباتت مصر في حاجة ماسة إلى تغيير شامل وحقيقي، سواء في الرموز أو المؤسسات أو أدوات الحكم.
كان من المفترض حتى تُمسك مصر بزمام نفسها أن تحطم قيودًا، وأن يشمل التغيير كل أدوات الحكم السابق، وعلى رأسها تنظيم جماعة الإخوان، الذي ادعى أنه صاحب الحق الوحيد في قيادة التغيير، وفي غفلة من وعي المصريين فاز باستحقاقات ثلاثة “الإعلان الدستوري-انتخابات مجلس الشعب 2011- الانتخابات الرئاسية 2011”.
ورغم فوز الإخوان هذا، فإن تحليل النتائج يؤكد أن المصريين لم يثقوا بالإخوان كثيرًا، ولم يعطوهم ثقتهم بالكلية، وإنما فازوا بنسبة ضئيلة في كل الاستحقاقات الانتخابية، ولم يمضِ وقت طويل حتى كشف الإخوان عن وجههم القبيح.
وحتى لا تضيع دوافع الثورة وحقيقتها في طيّ النسيان، تعالوا لنرصد أهم المحطات التي مرت على المصريين ودفعتهم للانتفاضة والثورة ضد الإخوان!
المحطة الأولى: إخوان كاذبون
تعامل المصريون في البداية مع الإخوان باعتبارهم “متمسكين بتعاليم الإسلام”، وأهمها الصدق في القول والعمل، والوفاء بالعهود، وكانت أول صدمة للمصريين في الإخوان عندما اكتشفوا كذبهم المرة تلو الأخرى، ويكفي في هذا أن نسرد واقعتين كانتا في غاية الفجاجة بالنسبة للمصريين، الأولى عند خوض الإخوان الانتخابات البرلمانية، وقالوا إنهم لن ينافسوا إلا على 30% من المقاعد، “لتحقيق المشاركة لا المغالبة”، ثم غافلوا الجميع ونافسوا على كل المقاعد وكل المناصب، فنكثوا وعودهم.
والثانية عندما أفرطوا في وعودهم أثناء الانتخابات الرئاسية عندما صاح مرشحهم بأعلى صوته بأن مصر “ستشهد طفرة فى أول 100 يوم من حكمه”، تتضمن حل المشكلات فى خمسة محاور رئيسية، هى الأمن والمرور والخبز والنظافة والوقود، وعندما تولى الحكم كانت هذه الوعود هباءً، واكتشف الشعب أن الإخوان ليسوا خبراء في شيء وليسوا أهل حكم، ومع تكرار الكذب أيقن المصريون أن الإخوان كاذبون حتى النخاع.
المحطة الثانية: الفشل
ثم كانت الحقيقية الثانية عندما ثبت فشل الإخوان في الإدارة والحكم، نظرا لفشلهم في تقدير التغيرات العميقة التي جرت في المجتمع المصري، والتي أحدثتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولم يعرفوا من السلطة إلا الشكل، فحاولوا تقليد نظام السلطة البائد، “حاكم أوحد معه حزب متسلط”، ظنا منهم أنها كلمة السر في البقاء بالحكم.
كما فشلوا في إقناع الجماهير بجدوى مشروعهم الوهمي المعروف باسم “النهضة”، الذي لم يكن إلا مجموعة أفكار وآراء مشتتة أُعدت على يد عناصر إخوانية ثبت بعد ذلك أنهم غير متخصصين في شيء واضح.
لم يكن لديهم أي رؤية أو خطة إصلاح اقتصادي، ولم يهتموا بالطبقات الفقيرة وسكان المناطق العشوائية، واكتفوا بإطلاق التصريحات الإعلامية الخالية من أي مضمون جاد، هنا أدرك الشعب أن “الجماعة” التي استولت على الحكم غير جديرة به.
المحطة الثالثة: مع الاستعلاء
عندما لم تنجح جماعة الإخوان بمصر في تحقيق مكاسب جماهيرية بالمعنى المعروف، وظهر انصراف الجماهير عنهم، كشفوا عن شعورهم الحقيقي تجاة الشعب، وأنهم يرون الناس أقل منهم، فأظهروا الاستعلاء، وأبدوا كراهية غير مسبوقة لكل الشعب المصري، بما فيها القوى المدنية، التي اجتمعت معهم في فندق “فيرمونت” لتأكيد مدنية الدولة، كما ألقى الرئيس الأسبق محمد مرسي باللائمة فيما يتعلق بالمشكلات، التي تواجهها مصر، على أولئك الذين وقفوا ضد جماعة الإخوان، وذلك في خطابه يوم 26 يونيو 2013.
المحطة الرابعة: محاربة القانون والدستور
بدأ الاخوان حكمهم بالضرب بالأحكام القضائية عُرض الحائط، إذ أصدر “مرسي” قرارًا بعودة مجلس الشعب المنحل بحكم القضاء إلى الانعقاد، ولكن المحكمة الدستورية العليا تصدت له وألغت القرار، ثم حاول الإخوان تعيين نائب عام جديد، تابع لهم، بدلا من النائب العام عبد المجيد محمود، ثم تجلت كراهيتهم للدستور وعدم احترامهم القانون عندما أصدر الرئيس الإخواني ما سمّاه “إعلانا دستوريا مكملا” في يوم 22 نوفمبر 2012، تضمن جعْل قرارات الرئيس نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى، “مثلا المحكمة الدستورية”، واعتبر المجلس الأعلى للقضاء في مصر أن هذا الإعلان يتضمن “اعتداء غير مسبوق” على استقلال القضاء وأحكامه، وأن المجلس هو المعني بشؤون القضاء والقضاة كافة، مُبديا أسفه لصدور هذا الإعلان.
لم يكتفِ الإخوان بهذا، بل قاموا بمحاصرة “المحكمة الدستورية العليا” في ديسمبر/كانون الأول 2012، ولم يتمكن مستشارو المحكمة الدستورية العليا من الحضور إلى مقر المحكمة بسبب الحصار الإخواني، ما دفع المحكمة وقتها لإرجاء النظر في الدعاوى، التي تطالب ببطلان مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية للدستور آنذاك، فكان موقف الإخوان هذا من القانون والدستور وأهله محطة مهمة في التعجيل بالثورة ضدهم.
المحطة الخامسة: محاربة الإعلام
يعلم الإخوان أهمية الإعلام، ولأنهم لم يستطيعوا تكوين رؤية إعلامية واضحة لحزبهم “الحرية والعدالة” خافوا من فقد السيطرة على ما يقدم من برامج للناس.
لهذا حاصر مئات من الإخوان “مدينة الإنتاج الإعلامي”، الواقعة في مدينة السادس من أكتوبر على مشارف القاهرة، والتي تضم مقار قنوات فضائية لم تكن خاضعة للإخوان، وأعلنوا الاعتصام أمام أبواب المدينة وأغلقوها بحواجز حديدية وحجارة ومنعوا دخول وخروج العاملين بها وضيوف البرامج الحوارية، ودعا نشطاء في صفحات تؤيد الإخوان بموقع “فيسبوك” وقتها لاقتحام مدينة الإنتاج الإعلامي وتحطيم معدات القنوات، وذلك عقب الاشتباكات التي حدثت قرب المقر الرئيس لجماعة الإخوان بحي المقطم.
المحطة السادسة: أخونة الدولة
كان النظام الإخواني قد تعمّد إقصاء الكفاءات، وعدم الاستعانة بالخبرات الاقتصادية والسياسية والشخصيات، التي لها خبرات طويلة مشهود لها دوليا ومحليا في إدارة الأزمات، التي واجهت الدولة، وبعد نحو 8 أشهر فقط على وصول الإخوان إلى سُدة الحكم عيّنوا خلالها بالأمر المباشر 8 وزراء و5 محافظين و8 في مؤسسة الرئاسة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد نجحوا في اختراق مفاصل 20 وزارة من خلال تعيين مستشارين للوزراء ومتحدثين إعلاميين ورؤساء للقطاعات ومديرين لمكاتب الوزراء، إضافة إلى تعيين 5 نواب محافظين، و12 رئيس حي ومركز، و13 مستشارا للمحافظين.
كما استحوذ الإخوان على مجلس الشورى والنقابات المهنية وفروعها في المحافظات، إلى جانب مؤسسات مثل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء ومصابي الثورة، والمجلس الأعلى للصحافة.
المحطة السابعة: كشف حساب الإرهاب والدم
فاتورة دم باهظة الثمن دفعها المواطنون المصريون إبان حكم جماعة الإخوان، جراء أعمال العنف والاشتباكات الدامية التي شهدتها البلاد، فقد حدثت في عهدهم مجزرتَا رفح الأولى والثانية -راح ضحيتهما عدد من الجنود المصريين- ولم يكن يشغل بالهم إلا “سلامة الخاطفين”، بحسب كلام رئيس الإخوان، ثم جاء اشتراكهم في أحداث الاتحادية يوم 6 ديسمبر 2012 بعد وقوع الاشتباكات بين مؤيدين للجماعة ومعارضين لها أمام القصر الرئاسي، والتي راح ضحيتها 13 شخصًا يقفون ضد سياسات الجماعة، من بينهم الحسيني أبو ضيف، الصحفي بجريدة الفجر المصرية، بالإضافة إلى إصابة 600 شخص آخرين.. ثم كانت “سلخانة التعذيب الإخوانية”، التي نفذوها على أسوار “قصر الاتحادية”، والتي تم تسجيلها بكاميرات الصحفيين لعناصر الإخوان وهي تقوم بتعذيب المحتجزين وإجبارهم على الاعتراف بتلقي أموال للهجوم على الإخوان.
تكفير المعارضة
ظهر هذا جليا في خطاب “الداعية” محمد عبد المقصود مع خطبة محمد مرسي في استاد القاهرة، عندما وصف مَن سيخرجون في 30 يونيو بأنهم “أعداء للدين”، وهى التصريحات التي أثارت جدلا واسعا حينها مع معارضي الإخوان، واعتبروها محاولة لتكفير المعارضة واستحلال دمائها.
ثم كانت حركة تمرد
كانت تلك الأحداث جميعها المسمار الأخير في نعش الجماعة، إذ غضب وتحرك الشعب وكوّن حركة “تمرد” في يوم الجمعة 26 أبريل 2013 من ميدان التحرير بالقاهرة، وقامت الحركة بدعوة المواطنين إلى التوقيع على وثيقة تحمل اسم “تمرد”، على أن تنتهي حملة التوقيع في 30 يونيو من العام نفسه، وأعلنت استهدافها جمع 22 مليون توقيع لعزل محمد مرسي عن حكم مصر.
30 يونيو.. بداية النهاية
خرجت الجماهير في يوم الأحد 30 يونيو 2013 لتعلن رفضها حكم الجماعة الإرهابية وعدوانية عناصرها تجاه المجتمع المصري، والتفَّت الجماهير حول قيادة جديدة اختارتها الأقدار، وعندما أراد الإخوان مواجهة الشعب الأعزل، انحاز جيش الشعب بقيادته الوطنية إلى الشعب ليحميه من بطش الجماعة.
جاءت ثورة ٣٠ يونيو لتعطي الشعب المصري فرصة لتصحيح مسار ثورته، وتفتح آفاق الحلم والأمل أمام ملايين المصريين لبناء وطن جديد وبداية الجمهورية الثالثة.
نقلا عن العين الإخبارية