الضابط الياباني الذي قاتل 29 عاما بعد نهاية الحرب العالمية


لم يصدّق أن الحرب العالمية الثانية انتهت. وظل 29 سنة في أدغال الفلبين ينتظر تعليمات قائده الذي أمره ألا يغادر المنطقة.

إنه ضابط في الجيش الياباني أرسل في عام 1944 إلى جزيرة لوبانغ الفلبينية النائية. بشن حرب عصابات خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن لسوء الحظ لم يتم إخبار الملازم هيرو أونودا رسميا بأن الحرب قد انتهت، ما جعله يستمر في العيش في الغابة طيلة 29 عاما، في حالة استعداد. في حال احتياج بلاده إليه مرة أخرى لخدماته ومعلوماته.

فما قصة ذلك الضابط؟

التحق الشاب أونودا بالجيش الياباني عام 1942. وكان عمره آنذاك 20 سنة، وخضع لتدريب الكوماندوز ليصبح ضابط مخابرات.

وفي ديسمبر/كانون الأول 1944 استدعاه قائداه، الرائدان يوشيمي تانيغوتشي وتاكاهاشي، ليخبراه أنه سيهبط قريبا في جزيرة لوبانغ الفلبينية مع عدد قليل من الرجال. لمساعدة الحامية المحلية على تنفيذ أعمال تخريب هناك.

وقبل أن يودعاه، قال له الرائد تانيغوتشي بحزم “يمنع عليك الانتحار. ويمكن أن تستمر مهمتك 3 سنوات وقد تستمر إلى 5، لكن مهما حدث سنعود من أجلك. وحتى ذلك الحين طالما أن لديك جنديا واحدا عليك الاستمرار في قيادته، قد تضطر إلى العيش على جوز الهند. إذا كان الأمر كذلك عش على جوز الهند! لا يجوز لك تحت أي ظرف من الظروف أن تنهي حياتك طواعية».

تلقى أونودا هذه الكلمات بشكل أكثر حرفية وجدية مما كان يمكن لقائد الفرقة أن يقصدها. فبمجرد وصوله إلى جزيرة لوبانغ كان المفترض أن يقوم أونودا بتفجير رصيف الميناء وتدمير مطار لوبانغ.

إلا أنه لسوء الحظ قرر قادة الحامية، الذين كانوا قلقين بشأن أمور أخرى. عدم مساعدة أونودا في مهمته، وسرعان ما اجتاح الحلفاء الجزيرة.

وانسحب الجنود اليابانيون المتبقون، بينهم أونودا، إلى المناطق الداخلية للجزيرة .وانقسموا إلى مجموعات، ومع تضاؤل حجم هذه المجموعات .بعد عدة هجمات انقسم الجنود الباقون إلى خلايا مكونة من ثلاثة وأربعة أشخاص.

وبذلك وجد أونودا نفسه مع 3 جنود: شيمادا وكوزوكا وأكاتسو. فبدأ الثلاثة ينظمون طريقة بقائهم على قيد الحياة، فكانوا يسرقون الأرز من القرويين أثناء مداهمات ينفذونها ضدهم. وبالنسبة للبقية فإن الغابة سخية، توفر لهم الموز والمانغو وجوز الهند.

أما اللحم فكان الحصول عليه أصعب، وكانوا كلما صادفوا ثورا ضائعا. ذبحوه واقتاتوا على لحمه أياما، وجففوا ما تبقى منه في الشمس لاستعماله لاحقا.

ولم ينس هؤلاء أنهم مقاتلون، فظلوا في الأشهر الأولى من عزلتهم .ينصبون كمائن للدوريات الأمريكية، وينفذون هجمات على القرى التي يعتقدون أنها موالية للعدو.

انتهت الحرب.. اخرج

هؤلاء المقاتلون وجدوا منشورا ثانيا وثالثا حول انتهاء الحرب. مما دفعهم إلى التشاور بينهم متسائلين: “هل من الممكن أن يكون الإمبراطور الذي لا يقهر قد خسر الحرب؟”. وهو ما ردّوا عليه بالنفي القاطع، معتبرين أن ما وجدوه لا يعدو كونه خدعة لجعلهم يقعون في فخ الاستسلام.

وفي نهاية عام 1945 ألقى الأمريكيون منشورات أخرى على الجزيرة. موقعة من الجنرال ياماشيتا، تعطي الأمر لمقاتلي المقاومة الأخيرة في الغابة بإلقاء أسلحتهم.

لكن هذا لم يثن أونودا ورجاله فرفضوا كل شيء يمكن أن يعيدهم إلى رشدهم. من صحف مرورا بالصور الفوتوغرافية إلى رسائل ذويهم، التي تُركت لهم -أيضا- في الغابة. حتى إن وصول بعض أقاربهم إلى الغابة لم يقنعهم، وانطبق هذا الأمر على مجموعات أخرى من الجنود اليابانيين الذين فقدوا في الغابة.

وفي سبتمبر/أيلول 1949 هرب أكاتسو وترك رفاقه وظلّ تائها في الغابة 6 أشهر. مترددا، ثم استسلم أخيرا، وقد أُجبر على كتابة رسالة إلى رفاقه السابقين لإقناعهم بتقليده. لكنهم عدّوا ذلك فخًّا وواصلوا القتال بلا هوادة.

وبعد 5 سنوات، وتحديدًا في 7 مايو/أيار 1954. فتحوا النار على دورية كانت تبحث عنهم، فردّت بقتل شيمادا، وفرّ أونودا وكوزوكا دون أن تتزحزح قناعتهما بأن الصراع مستمر. وظل الاثنان الباقيان يواصلان معركتهما في أعماق الغابة 19 عاما. وساد الاعتقاد في اليابان أنهما قد قتلا لكنهما ظلا ينتظران بصبر أن يأتي الجيش الياباني ويأخذهما.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1972 بينما كان المقاتلان يجهزان لحرق محصول الأرز في قرية يفترض أنها «معادية»، فاجأتهما دورية فلبينية. تبع ذلك تبادل لإطلاق النار قُتل فيه كوزوكا بعد 27 عاما من المقاومة، وتصدرت تلك المواجهة عناوين الصحف اليابانية. ولم يبق على قيد الحياة سوى أونودا!

الاستسلام في النهاية:

أرسلت بعثات للبحث عنه لكنها جميعها عادت خالية الوفاض. وكان أول من نجح في كسب ثقة الجندي الوحيد هو شاب ياباني اسمه نوريو سوزوكي، في ربيع عام 1974. وظل يتجول فيها دون وجل وليس معه سوى حقيبة ظهر إلى أن عثر على أونودا، فأوضح له حقيقة ما آلت إليه الأمور. لكن الجندي أخبره أنه سيوافق على الاستسلام شريطة. أن يأتيه أمر من قائده في ذلك الوقت.

بنهاية المطاف، أرسلت إليه الحكومة اليابانية وفداً ضم شقيقه .وقائده السابق المتقاعد الذي كان أمره بأن يستميت ويواصل القتال.

تأثر الرجلان بشدة وانحنى كل منهما للآخر، وفتح الضابط السابق. الذي أصبح بائع كتب، وثيقة وبدأ بقراءتها لمرؤوسه مرتديا، لهذه المناسبة. قطعا من زيّه العسكري: “هذه الحرب قد انتهت، أعطيك الأوامر بوقف القتال”.

وعاد أونودا في مارس/آذار من نفس العام إلى اليابان. وهناك استُقبل استقبال الأبطال، وكتبت إحدى الصحف اليابانية افتتاحية قالت فيها .”بالنسبة إلى هذا العسكري كانت الأسبقية للواجب على المشاعر الشخصية. أظهر لنا أونودا أن الحياة أكثر بكثير من مجرد الوفرة المادية والتطلعات الأنانية، هناك جانب روحي ربما نسيناه”.

ولم يستطع أونودا أن يتكيف مع الحياة الجديدة في وطنه، فهاجر إلى البرازيل في عام 1975. وامتهن هناك الزراعة، وعاد إلى اليابان في عام 1984. وأقام معسكرات لتعليم الشباب مهارات البقاء على قيد الحياة، وعاش متنقلاً بين البرازيل ووطنه الأصلي إلى أن وافته المنية في عام 2014 في طوكيو، وكان عمره 91 عاماً.

Exit mobile version