سياسة

الصين وقواعد اللعبة في المحيط الهادئ

ديفيد فيكلينغ


أثار نفوذ الصين المتنامي في الدول الصغرى بالمحيط الهادئ القلق بين القوى التي كانت تهيمن تقليدياً على المنطقة – أستراليا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة. وإذا كانوا يريدون وقف تقدم بكين، فسيكون عليهم البدء في تقديم المزيد في المقابل.

عكس الاتفاق الأمني مع جزر سليمان في وقت سابق من العام الجاري مدى طموحات بكين للمرة الأولى، إذ سمح للشرطة والجيش الصينيين بالعمل في البلاد. وعُرضت صفقات مماثلة على مجموعة من 10 بلدان أخرى، إلى جانب زيارة وزير الخارجية وانغ يي في مايو (أيار) الماضي. ويسعى وانغ الآن لعقد اجتماع مع وزراء خارجية الدول الجزرية في الوقت نفسه الذي يجتمع فيه الزعماء في يوليو (تموز) الجاري لحضور المنتدى السنوي لجزر المحيط الهادئ، وهو الكيان الرئيسي متعدد الأطراف في المنطقة.

الواقع أن الصين قادرة على الاضطلاع بمثل هذه القوة في دبلوماسيتها، لأن الوضع الراهن صار متباطئاً، ولم يعد يخدم مصالح هذه الحكومات بوضوح. تقليدياً، كان المحيط الهادئ مقسماً بين مجال نفوذ أسترالي في المناطق الجبلية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في بابوا نيو غينيا وميلانيزيا؛ أي المساحة النيوزيلندية في الأرخبيل البولينيزي جنوب خط الاستواء؛ والولايات المتحدة في الجزر الأصغر حجماً في ميكرونيزيا، والتي تمتد بين هاواي وغوام إلى شمال خط الاستواء.

من الصعب القول إن المنطقة قدمت أداءً جيداً جداً عبر هذه الترتيب. بفضل عزلتها الجغرافية والتعداد السكاني الضئيل، كان أداء دول المحيط الهادئ أسوأ كثيراً من أداء الدول الجزرية الصغيرة في أماكن أخرى من العالم. أما خارج فيجي، فإن السياحة بدائية للغاية؛ وحتى يومنا هذا، تتألف أغلب الصادرات السلعية من الأسماك، وجوز الهند، واللؤلؤ. المراكز المالية الخارجية التي ساعدت في جعل موريشيوس والعديد من دول الكاريبي غنية نسبياً قد جرى إقصاؤها هنا قبل تأسيسها. ومستويات الدخل، عند ضبطها وفقاً لتكاليف المعيشة المرتفعة نسبياً، تتساوى مع نظيراتها في بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

لكن ما تفتقر إليه بلدان المحيط الهادئ من قوة اقتصادية فإنها تستعيض عنه بورقة قوية واحدة: السيادة. وإذا ما أدرجنا تيمور الشرقية إلى القائمة، فإن بلدان جزر المحيط الهادئ تؤلف 13 من 38 عضواً في تكتل الدول الجزرية الصغيرة النامية في الأمم المتحدة. ومن الناحية النظرية، تتمتع هذه الكتلة بقوة تصويت أكبر من 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، أو 22 دولة غير جزرية في الأميركتين، الأمر الذي يساعد في ضمان تعيين أعضاء اللجنة وجني المكاسب الدبلوماسية لحلفائها. فضلاً عن ذلك، فإن البلدان الميلانيزية مثل جزر سليمان تبعد أقل من 2000 كيلومتر (1200 ميل) عن ساحل أستراليا، الأمر الذي يجعل الوجود العسكري الصيني هناك مصدر قلق بالنسبة لكانبيرا.

تتمتع حكومات الجزر بتاريخ طويل من الدبلوماسية التجارية للمساعدة الإنمائية، فأربعة من أصل أربع عشرة دولة تعترف بتايوان بدلاً من الصين تقع في المحيط الهادئ؛ وفي الماضي بدل ثلاثة آخرون ولاءهم بين تايبيه وبكين، ما أسفر عن أقصى استفادة ممكنة من المنافسة الجيوسياسية بين القوى.

تقول سارينا ثايز، المحاضرة في الدبلوماسية بجامعة جنوب الباسفيك في سوفا بجزيرة فيجي إن استعدادهم لقبول المزيد من العروض الكبيرة من بكين يُعد علامة على أن هذه البلدان صارت أكثر حزماً. وتضيف قائلة: «إنهم يدركون أن لديهم قوة أكثر مما كانوا يظنون في البداية. وصاروا أكثر صراحة ومطالبة بمكانة أكبر على الساحة العالمية».

بهذا المعنى، لا ينظر إلى اهتمام الصين المتنامي على المستوى المحلي باعتباره تهديداً، وإنما فرصة لكسب النفوذ مع القوى الكبرى التقليدية على أطراف المحيط الهادئ. وكان أول قرار لوزير الخارجية الأسترالي، بيني وونغ، بعد توليه السلطة في انتخابات مايو، زيارة دبلوماسية إلى الحكومات التي جذبتها مبادرات بكين. كما وعدت حكومة وونغ باعتماد سياسة أكثر انفتاحاً للعمل والهجرة الدائمة إلى أستراليا.

عين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مارس (آذار) الماضي، السفير الأميركي السابق في ماليزيا للإشراف على تجديد الاتفاقيات التي تنتهي صلاحيتها على مدى العامين القادمين مع بالاو، وجزر مارشال، وولايات ميكرونيزيا الموحدة، البلدان الثلاث التي ترتبط بصفة وثيقة مع الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات الهجرة والتنمية.

وعلى مر السنين، كانت القوى الأكبر في منطقة المحيط الهادئ سخية إلى حد استثنائي في المعونات والمساعدات الإنمائية من حيث نصيب الفرد. ليس من الواضح، مع ذلك، ما إذا كانت وعود بكين بالاستثمار سوف تتحقق، وهل سوف تكون فعالة إن تحققت من عدمه. إن تجربة بلدان مثل سريلانكا وباكستان، التي تُركت مثقلة بالديون وبنية أساسية غير مُستغلة، تنذر باعتماد سياسة أكثر تحوطاً.

من الواضح أن الصين ليست أفضل اللاعبين في واحدة من أكبر القضايا بالنسبة لحكومات الجزر، أياً كان الأمر – هناك الاحترار العالمي الذي يهدد استمرارية بعض الدول الأقل استقراراً على البقاء.

تقول السيدة ثايز: «يُشكل التغير المناخي تحدياً وجودياً في المنطقة. إنه التهديد الأمني الأكثر أهمية الذي يواجه الدول الجزرية في المحيط الهادئ».

مع ذلك، فإن وجود فضاء دبلوماسي أكثر تنافسية في منطقة المحيط الهادئ يصب إلى حد كبير في مصلحة المنطقة، حتى إن كان ذلك يزعج الجيران الذين شعروا بالارتياح إزاء الوضع الراهن. عبر الاحتفاء المبدئي ثم الرفض في نهاية المطاف لميثاق الأمن المكون من 10 بلدان الذي اقترحه وانغ، أظهرت حكومات الجزر أنهم يزدادون مهارة في فن الحكم التقليدي للقوى الصغيرة – عندما تتلاعب الدول الكبرى في مواجهة بعضها البعض.

وسوف يكون لزاماً على القوى الكبرى أن تُولي المزيد من الاهتمام لمنطقة المحيط الهادئ في تعاملاتها المستقبلية. وبالنسبة لحكومات الجزر، فهذا ليس بالأمر السيئ بحال.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى