مجتمع

السعي المستمر للسعادة: كيف يمكن أن يقودنا إلى البؤس؟


هل أدى هوسنا بالسعادة إلى تعاستنا؟ بينما يبدو الأمر منطقيا للبعض، يشير خبراء في الصحة النفسية إلى أن السعادة والتعاسة ليسا “ضدين”.

وأظهرت الأبحاث التي أجراها عالم النفس الشهير “إد دينيير” أن هذين الشعورين يعملان بشكل مستقل ويتم تنشيطهما في مناطق مختلفة من الدماغ. وعندما نتخلص من بعض التعاسة في حياتنا، لا يعني ذلك أننا سنصبح أكثر سعادة.

ويرى الخبراء في دراسات جديدة أن السعادة هدف يحتاج مطاردة مستمرة، ونظرًا لأنها هدف متغير، فإن سعادتنا غالبًا ما تعتمد على شيء في المستقبل، إذ نشعر بالبؤس؛ لأننا لا نستطيع الاستمتاع بما نحن عليه الآن، ونعتقد أننا سنكون سعداء عندما نحصل على منزل أكبر، أو مكتب، أو سيارة، أو مكافأة أكبر. أو ربما سنكون سعداء عندما نفقد 10 كيلوغرامات من وزننا، أو عندما نجد الشريك المناسب، أو نحصل على الوظيفة المثالية.

ويشير الخبراء إلى أن معظم الأشخاص يربطون السعادة بوجود أشخاص أو ظروف معينة وغياب الآخرين، وهذا يشبه المشي على جهاز المشي دون تحقيق أي تقدم للأمام.

فلماذا يجعل السعي وراء السعادة تعساء؟

قال عالم النفس “روي باوميستر” أن معظم الأفراد يركزون على السعادة بينما ينسون عيش حياة ذات معنى. 

ويؤكد العالم “يؤدي السعي وراء السعادة إلى تعاستنا؛ لأن السعادة لها مدة حياة قصيرة. يمكن أن تجلب اللحظات أو الأحداث مشاعر رائعة من المرح والإثارة، ولكن بعد ذلك نعود للواقع، ونجد أنفسنا نسعى للحصول على “جرعة” السعادة التالية”. 

ويضيف “في اندفاعنا نحو السعادة، نفشل في تحديد ما هي، بدلاً من ذلك، نركز فقط على كيفية الحصول عليها”. 

ويستكمل “إذا كنت تعتقد أن الحياة التي تقضيها في فعل الأشياء التي تستمتع بها هي حياة جيدة، فإنك تخاطر بفقدان متعة الحياة الأكبر. بالتأكيد، تريد الاستمتاع بالحياة، ولكن الجميع يمر بألم، وفقدان، وخيبة أمل، وإصابة أو مرض. الألم هو النتيجة الحتمية للوجود. إنه أمر لا مفر منه، وإنكار مشكلة الألم في سعينا نحو السعادة يجعلنا تعساء”.

السعادة مرتبطة بالألم

أظهرت الدراسات أن علاقات المحبة تؤدي إلى السعادة، ولكننا نعلم أيضًا أن الحب يمكن أن يكون سببًا للألم. وتتطلب بعض أفضل لحظات الحياة مقدارًا من الألم مثل الولادة، أو كتابة كتاب، أو الجري في ماراثون.

ووفقًا لفريدريك نيتشه “شوش انشغالنا بالسعادة المستمرة فهمنا لما يعنيه العيش بحياة ذات معنى، فإذا كان هناك شيء يؤلمنا أو يجعلنا نشعر بالسوء أو يتحدى أفكارنا، فإننا نتجاهله لأننا لا نفهم أن الألم لا يتم التخلص منه من خلال اللذة بل من خلال المعنى. ماذا لو كانت المشاكل وحل المشكلات ضرورية لحياة جيدة؟ قد تكون حياة مليئة بالألم المعنوي أكثر قيمة من حياة مليئة باللذة غير المعنوية”.

كيف تعيش سعيدًا؟

يقول إبيكتتوس، الفيلسوف اليوناني القديم: “المهمة الرئيسية في الحياة هي ببساطة تحديد وفصل الأمور حتى أوضح لنفسي أيها الأمور الخارجة عن سيطرتي، وأيها الأمور التي أستطيع التحكم بها”.

ومن الأشياء التي يمكنك التحكم فيها، هي الآراء، والأهداف، والرغبات، وردود الفعل، والنفور، والشؤون الخاصة.

أما الأمور التي لا يمكنك التحكم فيها فهي، الحالات الخارجية، والطبيعة، والجينات، والسمعة، وتفاعلات الآخرين، كما لا يمكننا التحكم في سلوك الآخرين تجاهنا أو ما يفكرون فيه عنا.

ولنكون سعداء، يجب أن نركز فقط على الأشياء التي نستطيع التحكم فيها فقط، وهي ردود أفعالنا واستجاباتنا للمواقف في العالم.

وفي النهاية يجمع العلماء والفلاسفة أنه من الوهم توقع أن الأحداث الخارجية أو الظروف مثل الثروة أو الزواج ستخلق السعادة، فعندما نبحث عن السعادة خارج أنفسنا، نفقد سيطرتنا على حياتنا، ونعتمد على الآخرين ليجعلونا سعداء. 

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى