لا شيء تغير أو يمكن أن يتغير بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية، وبعد الجولة الخليجية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وما نتج عن الحدثين من توحيدٍ للموقف بشأن لبنان.
وهذا ما يفترض استنتاجه من جملة أحداث متلاحقة، آخرها استضافة الضاحية الجنوبية لبيروت مؤتمرا فتحت منبره لمن يطيب لها تسميتهم “المعارضة البحرينية” التي قدمت ما سمته “التقرير الحقوقي العامّ عن الأوضاع في الداخل البحرينيّ”.
وكأن المضيف له علاقة بالحقوق والواجبات، فالحزب الذي يحاضر بالعفة القانونية، حَوَّلَ مناطق وجوده معاقل مقفلة على الدولة وأجهزتها حتى صارت هذه الدولة كلها معقلا، أو بعبارة أدق ساحة مستباحة لإيران لتسجل النقاط وتعزز الأوراق، والأهم ترد بشكل ملتوٍ يجنبها المواجهة، التي لا تحتاج إليها في هذه المرحلة الحرجة من مفاوضاتها على طاولة فيينا.
أو كأن له علاقة بالمصلحة العليا للبنان واللبنانيين الذين يصطفي منهم من يجب تصفيته بناء لأجندة مصالحه. ومن ثم يجب أن تموت حقوق ذويهم بمعرفة حقيقة تصفيتهم.
فالهدف من عقد المؤتمر لا يتجاوز هدفه القاضي بالاعتداء على مملكة البحرين، ولأسباب ترتبط بمصالح النفوذ الإيراني وتوسعه في المنطقة.
والمحاولات ليست جديدة أو مستجدة، فهي كانت قد بدأت في المنامة، وعندما تمت مواجهتها والقضاء عليها، انتقلت إلى الساحة المستباحة.
ولذا كان لا بد من تقديم مملكة البحرين، ووفق الأصول، “احتجاجاً شديد اللهجة إلى الحكومة اللبنانية بسبب استضافة بيروت مؤتمراً صحافياً لعناصر معادية لغرض بث وترويج مزاعم وادعاءات مسيئة ومغرضة ضد البحرين”، وبرعاية وزير الثقافة محمد مرتضى.
ومرتضى، كما هو معروف، شل جلسات مجلس الوزراء بضربة من كفه على الطاولة وتحدى القضاء، ووضع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء عند حدودهم القاضية بتعطيل البلد حتى يصار إلى تلبية طلب الحزب “قبع” المحقق العدلي القاضي طارق البيطار من جريمة تفجير مرفأ بيروت لأنه وصل إلى حيث يجب أن لا يصل.
بالتالي، ليس مستغربا كل هذا الكم من التناقضات لوزير لا يهتم بالقضاء والدستور والحقوق في بلده، ويرعى مؤتمر جمعية “الوفاق” التي “تتلقى دعماً ماليّاً وإعلاميّاً من حزب الله الذي سهّل لها تنظيم المؤتمر في بيروت في محاولة لإستغلالها لتنفيذ أجنداته ومغالطاته بحقّ الدول الخليجية والعربية”.
وكذلك ليس مستغربا إنفراد قناة “العالم” الإيرانية ببث وقائع المؤتمر الذي عقد الخميس الماضي مباشرة من بيروت من دون ذكر القاعة أو الفندق الذي انعقد فيه المؤتمر.
ولن يتأثر الحزب والمحور الذي يشغَّله، بتأكيد مصادر وزارة الداخلية اللبنانية أنّها لم تتلقَّ أيّ طلب رسمي لعقد جمعية “الوفاق” البحرينية مؤتمراً صحفيّاً في بيروت كما تقتضي القوانين المرعيّة.
وكأن هذا الحزب يحسب حساب هذه الشكليات، فهو في الأساس كيان لا أطر قانونية له، ولا شرعية أو شفافية لمؤسساته العسكرية والمالية، ولا وجود له في أي دائرة من الدوائر الرسمية اللبنانية.
قد نعثر على أثر لهذا الوجود في الدوائر الرسمية الإيرانية، لكن ليس في بلد الإقامة الحالي، الذي تجرأ رئيس حكومته المشلولة على إعلان “رفضه استخدام لبنان منطلقاً للإساءة إلى مملكة البحرين والتطاول عليها، مثلما يرفض الإساءة إلى الدول العربية ولا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي”.
ولم يكتفِ بذلك، فسارع إلى إحالة الاحتجاج البحريني “بشكل عاجل على السلطات المختصة طالباً التحقيق الفوري فيما حصل ومنع تكراره”.
وكأن الأمر بيده، أو كأنه يمون على هذا الحزب الذي لا يعترف أصلا، بأن لبنان وطن له كيانه وسيادته وحكومته.
وفي حين لا نزال نجهل تداعيات إو مفاعيل حرص رئيس الحكومة على الإلتزام الحرفي عبر التصريحات والبيانات التي تنزلق على الساحة المستباحة، لا بد من التوقف عند ما يريد المحور الإيراني تأكيده من خلال “حزب الله” الذي يصول ويجول ويوجه الرسائل لحسابه.
فالمسؤولون الإيرانيون كانوا قد أعلنوا أن لبنان هو تحت الإمرة والسيطرة، وذلك في أكثر من مناسبة.
ونائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أتحفنا بالأمس بتوجهه إلى اللبنانيين ليخيِّرهم بين محوره أو التفتيش عن حلٍ آخر، مشيرا إلى أن “لبنان أصبح له سمعة في العالم بسبب المقاومة وبسبب الإنتصارات. هذا هو لبنان الذي نريده”.
بالتالي، لا شيء تغير أو سيتغير ما دامت المعادلات الإقليمية على حالها.. وبانتظار معادلات جديدة، سيبقى لبنان ساحة مستباحة، وسيبقى اللبنانيون أمام تحدٍ لا يحتمل إلا البحث عن الحل الآخر القاضي بمقاومة الاحتلال الإيراني وإستعادة وطنهم وسيادته.