الدبلوماسية الأميركية تفشل في احتواء تصاعد الصراع الإقليمي


رغم جهودها المكثفة التي تبذلها دون هوادة منذ حوالي سنة، تبدو الدبلوماسية الأميركية عاجزة عن التأثير على حليفها الإسرائيلي الذي لا يزال يتجاهل الدعوات لوقف التصعيد في لبنان، حيث نفذت إسرائيل موجة جديدة من الغارات الجوية على أهداف لحزب الله في لبنان وقتل قيادي وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.

وقال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الثلاثاء إنه يجب عدم منح جماعة حزب الله اللبنانية أي فترة راحة وإن الهجمات على الجماعة في لبنان ستتسارع. وأضاف بعد إجراء تقييم أمني “الوضع يتطلب عملا مكثفا ومتواصلا على كل الساحات”.

وتقلل تصريحات هاليفي من جدوى التحركات الأميركية للتهدئة، حيث أكد الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يشارك الثلاثاء والأربعاء في نيويورك للمرة الأخيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإثنين أنه “يعمل على احتواء التصعيد” في لبنان حيث كثف الجيش الإسرائيلي ضرباته الدامية موقعا مئات القتلى بينهم أطفال.

كما أعلن مسؤول أميركي أن واشنطن بصدد تقديم “أفكار ملموسة” لخفض التوتر على الحدود بين اسرائيل ولبنان وإيجاد حل دبلوماسي للنزاع.

لكن يبدو أن الأحداث تتسارع بدون أن تتمكن الولايات المتحدة من فعل الكثير، حيث فشلت في اللجوء إلى وسائل الضغط الرئيسية على حليفتها، وهي تسليم الأسلحة.

ورفض جو بايدن وهو من أشد داعمي إسرائيل، حتى الآن استخدام هذه الورقة باستثناء تعليق تسليم قنابل في أيار/مايو ويبدو أنه من غير المرجح أن يغير استراتيجيته مع اقتراب الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر.

وأعلنت الولايات المتحدة في الوقت نفسه إرسال “عدد صغير” من الجنود الإضافيين الى الشرق الأوسط ردا على تصاعد التوترات الإقليمية.

ونشرت الولايات المتحدة آلاف الجنود في المنطقة بالإضافة إلى سفن عسكرية وطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي تهدف إلى حماية إسرائيل والقوات الأميركية هناك.

وفيما انتقلت جبهة الحرب في الأيام الماضية الى لبنان، وعد حزب الله المدعوم من ايران، بمواصلة “جبهة الإسناد” لقطاع غزة على الحدود الشمالية لإسرائيل مؤكدا أن “جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة”.

وقالت حزب الله الثلاثاء إنه استخدم الصاروخ الجديد فادي 3 في هجوم على قاعدة عسكرية إسرائيلية.

وازدادت حدة تبادل النيران بين اسرائيل وحزب الله منذ موجة تفجيرات أجهزة اتصال يستخدمها عناصر من حزب الله نسبت الى اسرائيل. وأعلنت الولايات المتحدة أنها لم تعلم مسبقا بذلك، داعية الى الهدوء.

حركة نزوح كثيفة

في واشنطن، لا يخفي مسؤولون أميركيون في مجالسهم الخاصة استياءهم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يفعل كل ما يريده محاولا الحفاظ على استمراريته السياسية.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء إن إسرائيل ستواصل قصف أهداف لحزب الله ودعا اللبنانيين إلى التخلص من قبضة الأمين العام للجماعة حسن نصر الله.

وأضاف في قاعدة عسكرية في مكان لم يكشف عنه بعد أن قال الجيش إنه عثر على ذخيرة في منازل مدنية “أي شخص لديه صاروخ في غرفة معيشته وصاروخ في مرآبه لن يكون له منزل”.

وتابع قائلا “حربنا ليست معكم وإنما مع حزب الله، ونصر الله يقودكم إلى حافة الهاوية… تخلصوا من قبضة نصر الله من أجل مصلحتكم”.

وقال مايكل حنا، مدير البرامج في مجموعة الأزمات الدولية، إن الدبلوماسية الأميركية راهنت بكل شيء، بدون جدوى، على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهو السبيل الوحيد بالنسبة إليها لتحقيق الحل في شمال إسرائيل.

لكن يبدو أن “هذا الأمر وصل إلى طريق مسدود، والجهود المبذولة للفصل بين الاثنين، التوصل إلى اتفاق بين حزب الله وإسرائيل فيما تستمر الحرب في غزة، أثبتت أيضا أنها وصلت إلى طريق مسدود”، كما أضاف.

وتحاول إدارة بايدن جاهدة التوصل إلى اتفاق في غزة قبل الانتخابات الرئاسية لتجنب حرب شاملة وإعطاء انطباع بالفوضى، لكن قلة من المراقبين ترى أنها مسعدة لاتخاذ اجراءات جذرية، على سبيل المثال بشأن الأسلحة، مع اقتراب موعد الانتخابات لهذا الحد.

وأضاف حنا “من غير المبالغ فيه القول إن برنامج الأعمال السياسي الأميركي قد يكون أدى دورا في اتخاذ القرار الإسرائيلي بشأن التوقيت الذي تم اختياره لتوسيع نطاق” النزاع الى لبنان.

وقال مصدران أمنيان في لبنان إن غارة جوية إسرائيلية استهدفت قياديا في جماعة حزب الله اللبنانية في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء، وذلك في اليوم الثاني للضربات التي تشنها إسرائيل على المنطقة الخاضعة لسيطرة الجماعة المتحالفة مع إيران في العاصمة اللبنانية. فيما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، إن المستهدف بعملية الاغتيال هو إبراهيم محمد قبيسي، رئيس المنظومة الصاروخية في حزب الله.

واستهدفت الغارة الجوية مبنى في منطقة الغبيري التي عادة ما تكون مكتظة بالناس. وكشف أحد المصدرين الأمنيين عن صورة تظهر وقوع أضرار في الطابق الأخير من المبنى المؤلف من خمسة طوابق.

وذكرت السلطات اللبنانية أن الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان أمس الاثنين أدت إلى مقتل 558 شخصا، منهم 50 طفلا و94 امرأة، وإصابة 1835 إلى جانب نزوح عشرات الآلاف.

وتتزايد الدعوات إلى الدبلوماسية وسط تفاقم الصراع، إذ حث فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان جميع الدول والأطراف بتجنب زيادة التصعيد في لبنان.

وقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض “أعتقد أنه لا يزال بوسعنا إيجاد مسار نحو تهدئة التصعيد بين إسرائيل وفي أنحاء الحدود الشمالية بين إسرائيل ولبنان والتوصل إلى حل دبلوماسي يسمح للأفراد بالعودة إلى ديارهم”.

بدوره، دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اليوم الثلاثاء إلى ضبط النفس وخفض التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وقال في كلمة ألقاها في مؤتمر حزب العمال في ليفربول شمال غرب إنجلترا “أدعو مرة أخرى إلى ضبط النفس وخفض التصعيد على الحدود بين إسرائيل ولبنان في الشرق الأوسط اليوم. وأدعو مرة أخرى الطرفين إلى التراجع عن حافة الهاوية”.

من جانبه، حذر الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الثلاثاء من أن “لبنان على حافة الهاوية”، في وقت تواصل إسرائيل توجيه ضربات جوية على اهداف لحزب الله في هذا البلد غداة يوم دام سقط فيه أكثر من 550 قتيلا.

وأعربت الأمم المتحدة الثلاثاء عن “قلقها البالغ” حيال التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، مؤكدة أن عشرات آلاف الأشخاص فروا من العنف منذ الإثنين.

وقال ماثيو سالتمارش متحدثا باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين خلال مؤتمر صحافي في جنيف “نحن قلقون للغاية من التصعيد الخطير للهجمات الذي شهدناه بالأمس. أُجبر عشرات آلاف الاشخاص على مغادرة منازلهم .. وعددهم يزداد باستمرار”.

وقال سالتمارش “هذه منطقة دمرتها الحرب أساسا و(لبنان) بلد يعرف المعاناة جيدا”، ولفت إلى أنه حتى قبل القصف الجوي، سُجّلت حركة نزوح ملحوظة من جنوب لبنان.

وأفاد أن “الوضع مقلق للغاية. إنه فوضوي جدا.. الثمن الذي يدفعه المدنيون غير مقبول”.

وجاءت هجمات الاثنين بعدما أسفرت غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية الجمعة عن مقتل العشرات، بينهم إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان، وهي وحدة النخبة في الحزب.

ومنذ الأسبوع الماضي، أصيب حوالى 6400 شخص بجروح في لبنان، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبد الناصر أبو بكر للصحافيين إن “المستشفيات واجهت ضغطا جنونيا في التعامل مع أعداد الجرحى منذ الأسبوع الماضي”.

ونددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بدورها بتداعيات الحرب على الأطفال في لبنان. وقالت نائبة ممثل اليونيسف في لبنان إيتي هيغينز عبر الفيديو من بيروت “نحذّر اليوم من أنه من شأن أي تصعيد إضافي في هذا النزاع أن يكون كارثيا تماما بالنسبة لجميع الأطفال في لبنان”.

وأضافت “يوم أمس كان الأسوأ بالنسبة للبنان منذ 18 عاما. هذا العنف يجب أن يتوقف فورا، وإلا فإن العواقب ستكون غير مقبولة”.

Exit mobile version