سياسة

الخبز مفقود والدواء شحيح.. غزة تواجه شبح المجاعة


يشهد قطاع غزة حالًا غير مسبوق من اليأس والكارثة الإنسانية، بحسب ما أكده مدنيون ومسعفون وعاملون في مجال الإغاثة، في ظل استمرار الحصار العسكري الإسرائيلي الشامل للقطاع منذ سبعة أسابيع متواصلة؛ ما أدى إلى قطع تام للمساعدات الإنسانية ومنع دخول أي إمدادات، حسبما ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية.

ظروف لم يشهدها القطاع منذ بدء الحرب

تعيش غزة أوضاعًا توصف بأنها الأقسى منذ اندلاع الحرب، حيث يواجه السكان أوامر إخلاء جماعية جديدة، ويتعرضون لقصف متجدد يستهدف البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، في وقت نفدت فيه كميات الغذاء والوقود المخصص لتشغيل المولدات والإمدادات الطبية الحيوية.

وكانت إسرائيل قد أنهت من جانب واحد هدنة استمرت شهرين مع حركة حماس في الثاني من مارس؛ مما أدى إلى توقف تام لإمدادات المواد الأساسية. وبعد نحو أسبوعين فقط، استأنفت إسرائيل قصفها المكثف وأعادت نشر قواتها البرية التي كانت قد سحبتها خلال الهدنة.

شروط إسرائيل لاستئناف دخول المساعدات

وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه منذ ذلك الوقت، توالت التصريحات من قبل مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين تؤكد أن المساعدات الإنسانية لن تُستأنف إلا بعد إفراج حماس عن جميع الرهائن المتبقين الذين تم أسرهم في هجمات السابع من أكتوبر 2023، وهي الهجمات التي فجّرت الصراع المستمر.

وتصر الحكومة الإسرائيلية على أن الحصار الجديد يمثل إجراءً أمنيًا، وتنفي بشدة استخدامها لتجويع المدنيين كسلاح حرب، وهو ما يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي.

وتابعت الصحيفة، أن الحصار الذي دخل الآن أسبوعه الثامن، يُعد الأطول من نوعه الذي يفرض على قطاع غزة منذ بداية الحرب قبل 18 شهرًا.

دعم أمريكي وثقة إسرائيلية بالاستمرار في الحصار

وتحظى إسرائيل بدعم راسخ من قبل الولايات المتحدة، حليفتها الأهم في عهد دونالد ترامب، ما يعزز ثقتها في قدرتها على الإبقاء على الحصار دون مواجهة ضغوط دولية كبيرة.

وفي المقابل، تمضي إسرائيل في تنفيذ خطط واسعة لمصادرة الأراضي الفلسطينية لإقامة مناطق عازلة “لأغراض أمنية”، مع الإعداد لنقل مسؤولية إيصال المساعدات إلى الجيش الإسرائيلي وشركات خاصة، مما يعزز المخاوف في غزة من أن إسرائيل تنوي البقاء عسكريًا في القطاع على المدى البعيد، وفرض تهجير دائم على سكانه.

الخوف من المجاعة يتجاوز الخوف من القصف

أفاد العديد من السكان الذين تحدثوا إلى صحيفة الأوبزرفر، بأن الخوف من المجاعة بات يفوق الخوف من الغارات الجوية.
وقال حكمت المصري، وهو أستاذ جامعي يبلغ من العمر 44 عامًا من بيت لاهيا شمال غزة: “اضطررت مرارًا إلى التنازل عن حصتي من الطعام لابني بسبب النقص الشديد… الجوع هو الذي سيقتلني – موت بطيء”.

ونفدت المواد الغذائية التي تم تخزينها خلال الهدنة الأخيرة، في حين يتزاحم السكان في مختلف مناطق القطاع أمام مطابخ الجمعيات الخيرية وهم يحملون أواني فارغة. وتُباع المواد الغذائية في الأسواق بأسعار تفوق نظيراتها خلال الهدنة بنسبة 1400%، بحسب أحدث تقييم لمنظمة الصحة العالمية.

نزوح جديد وتعذر جمع بيانات دقيقة

وأجبرت أوامر الإخلاء الجديدة نحو 420 ألف شخص على النزوح مجددًا، ما يجعل من الصعب جمع بيانات دقيقة حول مستويات الجوع وسوء التغذية، إلا أن تقديرات منظمة أوكسفام تشير أن غالبية الأطفال في غزة باتوا يعيشون على أقل من وجبة واحدة يوميًا.

وفي ظل استمرار القصف وصعوبة الحركة، أوقفت نحو 95% من المنظمات الإغاثية أنشطتها أو خفّضتها بشكل كبير، كما فرضت إسرائيل منذ فبراير قيودًا أشد على دخول العاملين الدوليين إلى القطاع. ونفدت العديد من الإمدادات الطبية الأساسية، بما في ذلك المسكنات.

تدهور في الأوضاع الصحية والإنسانية

وقالت أماند بازيرول، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في غزة، وتتحدث من دير البلح: إن مدينة غزة باتت مكتظة بالنازحين الذين فروا من القوات الإسرائيلية المتقدمة في الشمال، مشيرة إلى أن هؤلاء يعيشون في الشوارع أو داخل مبانٍ مدمرة معرضة للانهيار.

وأضافت: “لا توجد نقاط رعاية صحية كافية لهؤلاء الناس. في عيادتنا لعلاج الحروق بمدينة غزة، نبدأ برفض المرضى منذ العاشرة صباحًا، ونطلب منهم العودة في اليوم التالي، لأننا نضطر إلى فرز الحالات كي تطول فترة استخدام الأدوية المتبقية”.

عزل غزة عن مصر وتوسع للمناطق العازلة

ويرافق الحصار العسكري هجوم شرس من قبل القوات الإسرائيلية على شمال غزة وكامل مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع؛ ما أدى إلى قطع التواصل الجغرافي مع مصر.

وتفيد الأمم المتحدة، بأن نحو 70% من مساحة قطاع غزة أصبحت إما تحت أوامر إخلاء إسرائيلية أو ضمن المناطق العازلة العسكرية المتوسعة. 

وتشير التقديرات، أن منطقة الأمن الجديدة في رفح وحدها تشكل خمس مساحة القطاع.

وتسببت هذه المصادرات في دفع السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إضافة إلى جهود الإغاثة والمساعدات الطبية، إلى التكدس داخل “مناطق إنسانية” صغيرة تُحددها إسرائيل، رغم أن غارة جوية إسرائيلية الأسبوع الماضي استهدفت منطقة المواصي، وهي أكبر هذه المناطق على الساحل الجنوبي للقطاع، وأسفرت عن مقتل 16 شخصًا.

تغير قواعد الاشتباك وتراجع الضمانات الإنسانية

ومع تضاؤل المساحات المتاحة للحركة والعمليات الإنسانية، عبّر العاملون في مجال الإغاثة عن قلقهم من أن قواعد الاشتباك التي تتبعها القوات الإسرائيلية قد تغيرت منذ انهيار الهدنة، مشيرين إلى الغارات الأخيرة على مستشفى ناصر في خان يونس ومستشفى الأهلي في مدينة غزة.

أسفرت ضربة ناصر عن مقتل شخصين في مبنى تواجد فيه طاقم طبي دولي، بينما دمرت غارة على مستشفى الأهلي أقسام العناية المركزة والجراحة، دون وقوع إصابات، وفقًا لمسعفين. 
وأكد الجيش الإسرائيلي في كلتا الحالتين، أنه استهدف عناصر من حركة حماس.

قال مسؤول كبير في منظمة إغاثية – طلب عدم الكشف عن اسمه -: إن وجود الطواقم الدولية غالبًا ما يوفر شعورًا بالحماية لدى سكان غزة، لكن هذا لم يعد كافيًا الآن. 

وأضاف: “في بداية الحرب، كنا نخلي مواقعنا إذا وقع قصف على بُعد كيلومترين، ثم أصبحنا ننتظر حتى يصبح القصف على بعد 300 متر، والآن ننتظر حتى 30 مترًا، أي إن تم قصف المبنى المجاور فقط”.

وتابع: “إما لا نتلقى تحذيرات قبل القصف، أو تصلنا قبل 20 دقيقة فقط، وهي مدة غير كافية لإجلاء المرضى. مستوى المخاطر الذي نواجهه يرتفع باستمرار… نحن نعلم أن إسرائيل تحاول إجبارنا على العمل وفق شروطها”.

وفي رد على هذه الاتهامات، قال الجيش الإسرائيلي في بيان: “تتبع حركة حماس أسلوبًا موثقًا في العمل ضمن المناطق المكتظة بالسكان. وتخضع الضربات على الأهداف العسكرية لأحكام القانون الدولي ذات الصلة، بما في ذلك اتخاذ الاحتياطات الممكنة”. وأحال الجيش الأسئلة المتعلقة بالمساعدات إلى القيادة السياسية.

إسرائيل تسعى للسيطرة على توزيع المساعدات

وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه لطالما اتهمت إسرائيل حركة حماس بتحويل كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية لمصلحتها الخاصة، سواء من خلال الاحتفاظ بها أو بيعها بأسعار مرتفعة لسكان يعانون من شدة الحاجة.

وفي الأسبوع الماضي، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن هناك جهودًا جارية لتجاوز الوكالات الدولية وإنشاء آلية إسرائيلية لتوزيع المساعدات باستخدام متعاقدين خاصين، لكن هذه الجهود ما تزال في مراحلها الأولى ولا يوجد جدول زمني محدد لتنفيذها. وفي الأثناء، تحذر وكالات الإغاثة من أن الأزمة الإنسانية ستتفاقم أكثر.

تعثر جهود التهدئة واستمرار المعاناة

تبذل الوساطات الدولية جهودًا لإحياء المفاوضات حول وقف إطلاق النار، إلا أن مؤشرات التقدم ما تزال شبه منعدمة بسبب الخلافات الجوهرية حول قضايا مثل نزع سلاح حماس وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

وقال حكمت المصري، المحاضر من بيت لاهيا: “عندما أعيد فرض الحصار واستؤنفت الحرب، شعرت بالرعب. لا أكف عن التفكير بابني الصغير، وكيف يمكنني توفير الحد الأدنى له من مقومات الحياة”.

وأضاف: “لا أحد يستطيع تخيل مستوى المعاناة… الموت يحيط بنا من كل اتجاه”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى