سياسة

الجيش اللبناني بين مطرقة حزب الله وسندان نقص التمويل


قالت سبعة مصادر إن تكثيف الجهود للتوصل إلى هدنة في لبنان سلط الضوء على دور الجيش الذي من المفترض أن يحمل على عاتقه مهمة ضمان خلو جنوب لبنان من أسلحة حزب الله، لكنه غير مستعد ولا قادر على مواجهة الجماعة المدعومة من إيران.

وعلى الرغم من العمليات الإسرائيلية المستمرة منذ عام التي أضعفت قوة الجماعة فإنها لا تزال أقوى عسكريا من القوات المسلحة اللبنانية التي ظلت على هامش الصراع حتى بعد أن أرسلت إسرائيل قوات برية إلى جنوب لبنان في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

وبينما من المرجح أن يكون الجيش مطالَبا بنشر آلاف الجنود في الجنوب بعد أي اتفاق لوقف إطلاق النار فإن ذلك سيحتاج إلى موافقة من حزب الله، وسيتجنب الجيش أي مواجهات قد تؤدي إلى صراع داخلي، حسبما قالت المصادر التي تضم ثلاثة أشخاص مقربين من الجيش وأربعة دبلوماسيين بما في ذلك من دول مانحة.

وقال العميد اللبناني المتقاعد حسن جوني إن “الجيش اللبناني في موقف حساس وصعب. لا يستطيع أن يمارس المهام العادية مثل جيوش الدول الأخرى لأن هناك قوة عسكرية أخرى في البلاد”، في إشارة إلى حزب الله الذي يتمتع بوضع عسكري شبه رسمي باعتباره قوة مقاومة.

وصرح مسؤول لبناني كبير إن الحكومة وحزب الله وافقا هذا الأسبوع على اقتراح هدنة أميركي، لكنه نبه إلى أن لبنان لا يزال لديه “تعليقات” على المسودة. وموافقة حزب الله ضرورية لتنفيذ أي وقف لإطلاق النار، نظرا لترسانته ونفوذه على الدولة اللبنانية.

الموقف يزدادا تعقيدا بالنسبة للجيش بتزايد اعتماده على التمويل الأجنبي، وخاصة على مئات الملايين من الدولارات من واشنطن.

وذكر مسؤول ثان إن كيفية نشر الجيش في الجنوب بشكل محدد لا تزال قيد المناقشة، بينما قال دبلوماسيان غربيان وأحد المصادر المقربة من الجيش إن الولايات المتحدة حريصة على رؤية الجيش يواجه حزب الله مباشرة بشكل أكبر، وعبرت عن هذا الرأي للمسؤولين اللبنانيين.

لكن المصادر قالت إن القوة العسكرية لحزب الله والتمثيل الذي يتمتع به في مجلس الوزراء والبرلمان ونسبة المسلمين الشيعة بين قوات الجيش تعني أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى صراع داخلي.

وقال أحد الدبلوماسيين إن أي مشاهد “لاقتحام الجيش للمنازل بحثا عن أسلحة حزب الله” كفيل بأن يشعل حربا أهلية، وأضاف أن الجيش يمكنه بدلا من ذلك أن يعمل جنبا إلى جنب مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للقيام بدوريات في الجنوب دون أن يخوض أي مواجهة مباشرة مع حزب الله.

وخلال الأسبوع الماضي، ذكر مسؤول العلاقات الإعلامية بحزب الله محمد عفيف (قبل اغتياله) للصحافيين في مؤتمر صحفي إن علاقة حزب الله بالجيش لا تزال “متينة”. وأضاف موجها حديثه لمن قال إنهم يحاولون دفع الجيش لمواجهة الجماعة أنهم لن يستطيعوا “فك الارتباط بين الجيش والمقاومة”.
وقُتل عفيف في غارة إسرائيلية على بيروت الأحد الماضي.

ويتفق المسؤولون اللبنانيون والإسرائيليون والأميركيون على أن حجر الزاوية للهدنة الدائمة يكمن في تنفيذ بطريقة أفضل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أنهى الجولة السابقة من الصراع بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006.

وينص القرار 1701 على خلو جنوب لبنان من الأسلحة فيما عدا أسلحة الجيش اللبناني، وعلى نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي لبناني في الجنوب. ولم ينفذ أي من الجانبين القرار بالكامل، واستطاع حزب الله تسليح نفسه وبناء التحصينات في الجنوب بعد عام 2006.

وقال دبلوماسيون ومصدر مطلع إن الغبار تراكم على أبراج مراقبة تبرعت بها بريطانيا للجيش لإقامتها في الجنوب وهي موجودة في مستودع بالقرب من بيروت منذ شهور تنتظر التوصل لهدنة، في وقت يتفاوض فيه دبلوماسيون على طريقة لنصبها بما لا يثير غضب إسرائيل أو حزب الله.

وتسلط أزمة أبراج المراقبة الضوء على بعض التحديات التي سيواجهها الجيش مع أي انتشار للقوات على الحدود الجنوبية.

ولطالما تجنب الجيش القتال ضد حزب الله، ولم يحرك ساكنا حين سيطرت الجماعة الشيعية وحلفاؤها على بيروت في عام 2008.

وحرصت قوات الجيش اللبناني على عدم الاصطدام بإسرائيل، فانسحبت من الحدود حين كانت القوات الإسرائيلية تستعد للتوغل في أكتوبر/تشرين الأول. وامتنع الجيش عن إطلاق النار حتى حين وجهت إليه إسرائيل ضربات مباشرة أسفرت عن مقتل 36 جنديا لبنانيا حتى الآن.

ويتزايد الموقف تعقيدا بالنسبة للجيش بتزايد اعتماده على التمويل الأجنبي، وخاصة على مئات الملايين من الدولارات من واشنطن.

وفي العام الماضي، بدأت واشنطن في ضخ أموال لتعزيز رواتب القوات التي انخفضت بسبب الأزمة المالية في لبنان بعد أن توقف الجيش عن تقديم اللحوم في طعام جنوده، ولجأ إلى تقديم جولات سياحية بطائراته المروحية لجمع الأموال.

وقال اثنان من المصادر المطلعة على تفكير الجيش إن احتمال فقدان الدعم الأميركي يمثل مصدرا للقلق البالغ لقائد الجيش جوزيف عون، وكذلك الحفاظ على وحدة الجيش لنشر قواته بمجرد التوصل إلى هدنة.

وصرح أحدهما “أولويتهم الآن هي البقاء سالمين بلا خسائر بانتظار ما هو آت”، بينما قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يتولى منصبه في يناير/كانون الثاني، إن ترامب بمجرد عودته إلى البيت الأبيض سيعمل على استعادة “السلام بدعم من القوة في أنحاء العالم”.

وأفاد أحد المصادر المقربة من الجيش إنه ليس أمام الجيش إلا الانتظار حتى انتهاء الصراع لتقييم حالة القوة العسكرية لجماعة حزب الله ومن ثم يتضح دوره.

وتأسس الجيش اللبناني عام 1945 وتنقسم قواته بالتساوي تقريبا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة والمسيحيين وهذا يجعله رمزا راسخا للوحدة الوطنية.

وذكر مصدر أمني لبناني ومصدران مطلعان على تفكير الجيش إن الجيش الذي يتألف من نحو 40 ألف جندي يعتبر نفسه في المقام الأول الضامن للسلم الداخلي. خاصة مع تزايد التوترات نتيجة نزوح مئات الآلاف من الشيعة إلى مناطق ذات أغلبيات مسيحية وسنية ودرزية في الحرب الحالية.

وخاض الجيش أيضا حربا ضد جماعات سنية متشددة في المخيمات الفلسطينية في عام 2007 .وعلى طول الحدود اللبنانية مع سوريا في عام 2017.

وانقسم الجيش على أسس طائفية في عام 1976، في السنوات الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما. مما أدى إلى وقوع لبنان في قبضة حكم الميليشيات وهو ما انتهى في 1990 بتخلي الجماعات المسلحة عن أسلحتها باستثناء حزب الله.

وقال ثلاثة دبلوماسيين آخرين إن بعض المساعدات الدولية للجيش جرى تعليقها بالفعل. وتعهدت قوى عالمية في باريس الشهر الماضي بتقديم 200 مليون دولار للجيش من المتوقع أن تُخصص لتجنيد قوات جديدة، لكن ظهرت خلافات.

وقال دبلوماسي أوروبي ودبلوماسي كبير في الأمم المتحدة إن المسؤولين الأميركيين سعوا إلى وقف التمويل إلى حين الاتفاق على وقف إطلاق النار للضغط على لبنان لتقديم تنازلات. في حين يقول لبنان إنه يحتاج إلى التجنيد أولا حتى يتمكن من تنفيذ وقف إطلاق النار.

ونفى مسؤول أميركي استخدام واشنطن المساعدات وسيلة للضغط. وقالت وزارة الخارجية إن واشنطن ملتزمة بدعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها السيادية. وأحجم البيت الأبيض عن التعليق.

وأوقف المشرعون الأميركيون في 2010 لفترة وجيزة تمويل الجيش اللبناني بعد اشتباك حدودي مميت بين لبنان وإسرائيل. وفي أواخر سبتمبر/أيلول. قدم أحد النواب الجمهوريين في الكونجرس الأميركي مشروع قانون يهدف إلى وقف كل المساعدات المالية، بما في ذلك الرواتب. للجيش حتى تحظر الدولة اللبنانية العمل السياسي لجماعة حزب الله.

ومنحت البيانات الوزارية منذ 2008 حزب الله الشرعية ككيان مسلح في البلاد إلى جانب الجيش. دون تفصيل واضح للقيود المفروضة على دوره.

وقال العميد المتقاعد حسن جوني “الوضع يحتاج إلى تفاهمات سياسية داخلية لتحديد دور حزب الله في المجال الأمني والعسكري في لبنان”.

تابعونا على

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button