سياسة

الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة

د.البدر الشاطري


احتفلت الولايات المتحدة الأمريكية بالذكرى الـ246 لميلادها.. إذ أعلنت استقلالها في 4 يوليو 1776، بعد خوضها حربَ استقلالٍ عن الإمبراطورية البريطانية.

والواقع أن استقلال الولايات المتحدة كان أمرًا مستحيلًا، ولكنَّ إصرار الآباء المؤسّسين وعزيمتهم جعلاه أمرًا واقعًا.

وتحتفي الولايات المتحدة، اليوم، بذكرى استقلالها في مشهد سياسي منقسم لم تَرَ له مثيلًا منذ الستينيات من القرن الماضي، وحرب فيتنام التي قسمت السَّاسة والجماهير إلى معسكرَيْن مُتضادّيْن، ذلك أنَّ الانقسام في الوقت الراهن قائم على أسس أيديولوجية وثقافية واقتصادية.

إن الانقسام سِمة من سمات المجتمعات الحديثة، وقد استحدثت المجتمعات المتقدّمة وسائل لمعالجة الاختلاف بسُبل سلميّة تَوافَق على قواعدها المجتمع السياسي، ويكمُن نجاح التجربة في “اللعب” بحسب تلك القواعد ولو لم تكن في مصلحة طرف أو آخر.. والأهمّ هو التزام المصلحة العامة على حساب المصالح الخاصة، ووجود مؤسسات متماسكة ومحايِدة تؤدي أدوارها بصفتها وسائط بين الفُرقاء.. إضافةً إلى تكيُّف المؤسسات مع المتغيرات، والذي يُعَدّ من أهمّ عوامل ديمومة تلك المؤسسات واستمرار فاعليَّتها.. وأخيرًا -وليس آخرًا- الاعتدال في التعامل مع الخصم الخاسر، وعدم سلبه حقوقه، أو الشهامة في الظَّفر والصبر في الخسران.

وهذه القِيم الأمريكية هي التي جعلت الولايات المتحدة دولة قويّة في الداخل والخارج، وحضارة إنسانية مكَّنتها من الاستمرار، والتأثير العالمي، ولكنَّ هذه القيم أخذت تتلاشى، وبدأت المؤسسات تتآكل، وانعكس ذلك على الثقافة السائدة، فأصبح الأمريكيون حِزبيّين قبل أن يكونوا مواطنين، ويساريّين ويمينيّين قبل أن يكونوا وطنيين.

وتعود إرهاصات هذا الانقسام إلى انتخاب رونالد ريجان، الرئيس الأمريكي، في عام 1980، وذلك على خلفيَّة أزمة الرهائن في إيران، وسياسات جيمي كارتر، التي روَّجت حقوق الإنسان، إذ أحسّت أمريكا حينئذٍ بالضعف، لأنها أُذلّت من الإيرانيين، وشعرت بأنَّ السياسات الاقتصادية التي راهنت على الطبقة الوسطى لم تنجح، في حين تباطأ النمو بسبب زيادة تدخُّل الحكومة في الاقتصاد.

وكانت حملة “ريجان” قائمة على التحالف مع اليمين الديني الذي عُرِف بـ”الأغلبية الأخلاقية”، وكانت هذه المجموعة ترى أنّ الولايات المتحدة “حادَتْ عن طريق الرَّب”، ولذا تعثّرت ووهنت.

واستغلَّ الحزب الجمهوري، ورونالد ريجان المرشح للرئاسة، هذه الشعارات التي أوصلت الحزب إلى “البيت الأبيض”، ومَكَّنته من اكتساح الكونجرس بمجلسَيْه، ودخلت الولايات المتحدة في حالة استقطاب كبيرة بين مَن يرون في “ريجان” وسياسات الحزب الجمهوري مُنقذًا للبلاد، ومَن لا يرون ذلك.

ولم يكن الحزب الديمقراطي أفضل حالًا من حيث التجاذب السياسي، فبدأت الحملات المتبادَلة بين الحزبين.

ومع أن الديمقراطيين تَبِعوا الجمهوريين في “البيت الأبيض” فإنَّ التعاون بين الجانبين على إدارة الحكم بدأ يتراجع، وهكذا دوالَيْك استمرَّت الحال بينهما، حتى إنَّ ميتش ماكونيل، أحد أقطاب الجمهوريين في مجلس الشيوخ، صرَّح بعد انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة بأنّ مهمته الأولى هي إفشاله حتى لا يُنتخَب لمدة رئاسية ثانية.

ووصلت الحالة الأمريكية إلى أسفل القاع في عهد دونالد ترامب، الرئيس السابق، إذ سُيّس كل شيء، وحين انتشر وباء كورونا في مختلف دول العالم، سُيّس المرض والدواء واللقاح، وحتى لبس الكمامات، فمَن لبسها فهو من ذاك الحزب، ومَن لم يلبسها فهو من هذا الحزب.

وبعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، رأينا ما حصل في الهجوم على مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021.

نقلا عن “مفكرو الإمارات”

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى