زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، مطلع هذا الأسبوع، إلى دولة الإمارات وُصفت بـ”التاريخية”.
والزيارة جديرة بالفعل بهذا التوصيف لما لقيته من ردود فعل مهمة وتعليقات ذات دلالات صدرت من أطراف مختلفة، خاصة أنها الزيارة الأولى للرئيس “الأسد” لدولة عربية منذ أحداث عام 2011.
وبدا أن الزيارة مثلت مفاجأة لكثير من المراقبين، بل ومن بعض الأوساط الرسمية في دول مختلفة.
غير أنه يمكن للمراقب إدراك أنْ ليس في الأمر مفاجأة، فالدبلوماسية الإماراتية وتحركاتها لا تتحدد بصورة فجائية، فزيارة الرئيس “الأسد”، التي تمثل منعطفاً مهماً في وضعية سوريا عربياً وإقليمياً، ليست بداية جهود الإمارات في هذا الاتجاه، وإنما هي تتويج لجهود وتحركات سابقة متواصلة.. من أبرزها إعادة افتتاح سفارة الإمارات في دمشق عام 2018، كأول دولة عربية تبادر بتلك الخطوة منذ قرار جامعة الدول العربية في عام 2011 بتعليق عضوية سوريا.. كما كانت الإمارات أيضاً أول دولة عربية توفد مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق، توّجتها زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، في نوفمبر الماضي.
وعليه، من السهولة بمكان توقع أن تمثل زيارة الرئيس السوري إلى الإمارات البداية الحقيقية لعودة سوريا إلى الحضن العربي، فعلياً ورسمياً.. وإنْ تطلب الأمر بعض الوقت لاستكمال وترتيب الجوانب الإجرائية، خاصة أن ثمة أشهر تفصلنا عن انعقاد القمة العربية، التي ستستضيفها الجزائر نوفمبر المقبل.
المتوقع أن تتوالى خلال تلك الفترة مظاهر وخطوات مختلفة نحو عودة سوريا إلى محيطها العربي.. وبذلك تكون الإمارات قد أخذت زمام المبادرة بخطوة مهمة ومفصلية في تحريك ذلك المسار الجدير بالتفعيل منذ فترة طويلة.
وبنظرة أوسع، تصب زيارة الرئيس السوري مباشرة في مجريات ترتيب الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط.. فسوريا المتمركزة في قلب المنطقة جغرافياً وجيوستراتيجياً، هي طرف أساسي في حزمة ملفات وتفاعلات، بل وتحالفات إقليمية.. ولا شك أن السير نحو استعادة حد أدنى من التوازن في علاقات سوريا العربية والإقليمية، إنما يضع المنطقة ككل على أعتاب مرحلة مختلفة، إنْ لم يكن تاريخاً إقليمياً جديداً.. ما يؤكد مجدداً عمق وبُعد نظر السياسة الإماراتية، بعد أن أثبتت ذلك في أكثر من ملف، كان أحدثها إعادة العلاقات الإماراتية-التركية إلى مسارها الصحيح.. واستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أسابيع قليلة في الإمارات.. وفي هذه التطورات ما يشير إلى أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة مختلفة تدعو إلى التفاؤل.
الإمارات أعطت مؤشراً مهما لكثرين في العالم بأن الإقليم بصدد دولة قائد إقليمي يملك القدرة والإرادة على تحريك الأوضاع الراكدة في المنطقة منذ سنوات وتغييرها إلى الأفضل للجميع.
ولزيارة “الأسد” إلى الإمارات أبعادٌ دولية لا تقل أهمية عن الأبعاد الإقليمية، خاصة من ناحية التوقيت، من أهمها دلالةً تزامنها مع وصول المفاوضات الجارية بشأن الملف النووي الإيراني إلى مراحل متقدمة، وتوالي الأنباء عن قرب التوصل إلى تفاهم حول إحياء اتفاق 2015، الأمر الذي يستوجب التوحد العربي.
في ضوء ما سبق، لا نبالغ إذا قلنا إن زيارة الرئيس السوري بما تعنيه وتحمله من الدلالات المشار إليها والمردود المنتظر منها في القريب العاجل، “أهم حدث عربي وإقليمي شهدته المنطقة في السنوات القليلة الماضية”، وهو ما ستتضح أبعاده وتتبلور نتائجه تباعاً في ملفات متشابكة ومرتبطة، وترتيبات شديدة الأهمية عربياً وإقليمياً.