سياسة

الإسلام كدين، والإسلاموية كأيديولوجية، وضرورة التفريق بينهما


المجموعات الإسلاموية المتطرفة تسعى إلى تمثيل الإسلام والمسلمين أمام الشعوب الغربية، من خلال اقتراض مفاهيم إسلامية عديدة، تعيد تفسيرها لإكساب أهدافها السياسية شرعية بين الناس، مستغلة جهل وسائل الإعلام الغربية وإخفاقها في إظهار الفرق بين الدين الإسلامي والإسلاموية كأيديولوجية سياسية”، هذا ما ذكره أستاذا العلوم الإنسانية والدراسات السياسية في جامعة جريفيث الأسترالية، أودري كورتي وهيلم رين.
أصبح الإسلام محور النقاشات حول التماسك الاجتماعي والأمن القومي في الدول الغربية منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك حين، جرت نقاشات علنية عدة حول ضرورة فرض قيود على هجرة المسلمين، كان آخرها خطاب السيناتور فريزر آنينغ أمام البرلمان الأسترالي. واليوم، يعتقد الكثيرون أن الهجمات الإرهابية المستقبلية باسم الإسلام أمر لا مفر منه.
في ظل هذا الواقع، تلعب وسائل الإعلام دورًا أساسيًا في كيفية إدراكنا للإسلام، وكيفية استجابتنا له كدين. ولكن، بسبب الفهم المحدود للإسلام، أو الخوف من استعداء المسلمين، غابت نقطة أساسية إلى حد كبير في التقارير الإعلامية: تهديد الإرهاب لا ينبع من الإسلام، بل ينبع من الإسلاموية كأيديولوجية سياسية.
قد يبدو المصطلحان متشابهين، لكن الإسلام والإسلاموية ليسا الشيء ذاته. الإسلام هو دين يتبعه 1,6 مليار شخص في العالم، في حين أن الإسلاموية هي أيديولوجية سياسية تتبناها مجموعات صغيرة نسبيًا، تقترض مفاهيم مثل الشريعة والجهاد من الدين الإسلامي، وتعيد تفسيرها لتكتسب الشرعية من أجل أهدافها السياسية.
كيف يشرعن الإعلام أهداف الإرهابيين؟
تستخدم الجماعات الإسلامية مثل “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” العنف ضد غير المسلمين بهدف إقامة مؤسسة سياسية تدعى “الخلافة”، دون الاستناد بشكل حقيقي إلى القرآن والحديث. تستند نداءات المجموعات الإسلاموية المتشددة إلى استخدام التعاليم الإسلامية بشكل انتقائي، وإعادة تجميعها كحزمة التزامات دينية مشروعة.
لقد صادر الإسلاميون مفهوم “الجهاد” من الدين الإسلامي، بغرض إضفاء الشرعية على “الحرب المقدسة” الهجومية ضد غير المسلمين. وبالطبع، جرى رفض هذا التفسير من قبل الأبحاث التي درست مبادئ القرآن المتعلقة بالحرب والسلام كافة. على سبيل المثال، رفضت التعاليم الإسلامية بشكل واضح ممارسة الإرهاب واستخدام العنف ضد المدنيين، وهذا ما دفع العلماء المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى إدانة الإرهاب، وإصدار فتاوى في كثير من المناسبات.
ولسوء الحظ، تقوم وسائل الإعلام الغربية بنشر التفسيرات المضللة للجهاد، وتقلل من أهمية الإدانات والفتاوى التي يرددها العلماء المسلمون المعتدلون، ما أدى إلى تعزيز الصلة المتصورة بين الإسلام والإرهاب.
في بعض الحالات، يعمد بعض النقاد الإعلاميين إلى خلق هذه الصلة صراحة، من خلال الإشارة إلى أن الإرهابيين يستندون إلى الدين الإسلامي كأساس لأعمالهم العنيفة. إن قبول ادعاءات الإرهابيين بهذه الصورة السهلة من شأنه أن يشوه صورة الإسلام، وأن يضفي الشرعية على أجندة الإسلامويين دون قصد. وبعبارة أخرى، تخدم وسائل الإعلام الإرهابيين من خلال السماح لهم بتمثيل الإسلام والمسلمين بشكل عام.
أداة تجنيد للمجموعات الإسلاموية
لدى الإرهابيين الإسلامويين مصلحة إستراتيجية في نشر الاعتقاد الخاطئ بأن الإسلام والغرب منخرطان في حرب حضارية. فعلى سبيل المثال، أوضح تنظيم داعش في مجلته الإلكترونية عام 2015 أن “المسلمين في الغرب سيجدون أنفسهم قريبًا بين خيارين: إما الردة والكفر، أو الهجرة إلى الدولة الإسلامية، وبالتالي الهروب من اضطهاد الصليبيين”.
تعتمد المجموعات الإسلامية الراديكالية على إستراتيجية “فرق تسد” من أجل تجنيد الغرباء في صفوفها، ولهذا، نجدها تستهدف المسلمين الغربيين المهمشين والساخطين، وتستشهد برواية إسلاموية ممزوجة بوعود الإخاء والأمن والانتماء.
وفي المقابل، تعمل وسائل الإعلام الغربية بشكل غير مباشر على تعزيز مصالح التنظيمات الإسلامية المتشددة من خلال ربط المجتمعات المسلمة بالإرهاب، نتيجة لفشلها في التمييز بين الدين الإسلامي والأيديولوجية الإسلاموية السياسية. على سبيل المثال، عندما وصلت الموجة الأولى من اللاجئين السوريين إلى المملكة المتحدة عام 2015، حذرت صحيفة ديلي ميل من “التهديد المميت لعدو بريطانيا من الداخل”، وربطت ما بين اللاجئين والمتطرفين الإسلامويين.
تأثير التقارير الإعلامية غير المبالية
هذا النوع من التغطية الإعلامية الطائشة، المسببة للإثارة، تخدم أهداف الحركات الإسلاموية من خلال تأليب المسلمين وغير المسلمين ضد بعضهم البعض. وحسب دراسة أجريت في جامعة فيينا عام 2017، فإن التغطية الإعلامية التي لا تميز صراحة بين المسلمين الإسلامويين تغذي المواقف العدائية تجاه السكان المسلمين بشكل عام.
ومع تزايد الوعي بتأثير هذا النوع من التقارير، حاولت بعض وسائل الإعلام -مثل (سي أن أن)- التمييز ما بين “الإسلام المعتدل” و”الإسلام الراديكالي” من جهة، و”الإسلام” و”التطرف الإسلامي” من جهة أخرى. لكن هذه المساعي لم تفلح لأنها ركزت على الدوافع الدينية وتجاهلت الدور المركزي للأيديولوجية السياسية الإسلاموية.
وفي هذا الصدد، كشفت دراسة أجراها “مركز مكافحة الإرهاب” أن 85% من عناصر المجموعات الإسلاموية المتشددة لم يتلقوا أي تعليم ديني رسمي طوال حياتهم، وهذا ما يؤكد قلة الوعي الديني في صفوف النشطاء الإسلامويين، واستنادهم إلى أيديولوجية سياسية بحتة، وبالتالي عدم قدرتهم على التدقيق الديني النقدي في الأيديولوجية الإسلاموية والرواية الجهادية.
من يقرأ بتعمق سيعرف أن الإسلاموية تختبئ وراء عباءة الدين، وأن أجندتها تنطوي على مطالب سياسية أكثر من سعيها وراء تعاليم النبي محمد (ص). صحيح أن الإسلامويين يعلنون السعي وراء إقامة خلافة أو نظام قائم على الشريعة، لكن غاياتهم النهائية لا تنطلي خدعتها على الباحثين المتخصصين.
في محاولة لتجريد التنظيمات الإسلاموية من شرعيتها، حاولت بعض المنافذ الإعلامية البريطانية الفرنسية استخدام لغة مختلفة، مثل كلمة “داعش” بدلًا من “الدولة الإسلامية”، لكن هذه الممارسة لا تجري بشكل اعتيادي. كما أن السياسي الأسترالي مالكولم تيرنبول تبنى مصطلح “الإرهاب الإسلاموي”، من أجل التفريق بين من ينتمون إلى الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة، ومن ينتمون إلى المجتمعات من المسلمين العوام. لكن الكثير من السياسيين -مثل دونالد ترامب- يواصلون طمس هذا التمييز.
الخلاصة
من يعتقدون أن المشكلة تنبع من الإسلام هم مخطئون، ولا بد من إجراء حوار بناء حول المفاهيم الأساسية للإسلام، من أجل الكشف عن الحقيقة الواضحة: أن الإسلام يرفض إقامة “الخلافة” من خلال ارتكاب العنف ضد غير المسلمين، أو حتى الحديث عن نظام قائم على الشريعة من خلال تزوير حزمة التزامات دينية هدفها إكساب أصحابها الشرعية الدينية بين الناس. وبالنظر إلى مدى تأثير المخاوف بشأن الإسلام على المجتمعات الغربية، على الجميع التزام أخلاقي للتمييز ما بين الإسلام والإسلاموية، أو مواجهة المنظور الإسلاموي المريب على أقل تقدير.
المصدر: مجلة ذي كونفرزيشن الأسترالية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى