الأمم المتحدة تُعزز مسار الحكم الذاتي في الصحراء المغربية
كشف التقرير الاستراتيجي الصادر عن مركز أبحاث “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسورش” عن قراءة متفائلة لمسار الاقتصاد المغربي، واضعا مجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية الكبرى في خانة الفرص الواعدة، في مقابل رصد حذر لجملة من المخاطر البنيوية والظرفية التي ما تزال تؤثر في الأداء العام.
والتقرير الذي تضمن “خريطة المخاطر” قدّم مقاربة تحليلية تدمج بين المؤشرات الماكرو-اقتصادية والتحولات الجيوسياسية، مع تركيز خاص على ملف الصحراء المغربية وانعكاساته الاقتصادية، مؤكدا أن إقرار مجلس الأمن الدولي مبادرة الحكم الذاتي أساسا واقعيا لاي تفاوض واعتبارها حلا واقعيا للنزاع المفتعل، يعزز الفرص الاقتصادية للمغرب.
وأحد أبرز الاستنتاجات التي خلص إليها التقرير يتمثل في اعتبار دعم الأمم المتحدة لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحولًا استراتيجيًا بأبعاد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، فالتقرير لا يتعامل مع هذا التطور بوصفه مكسبًا دبلوماسيًا فحسب، بل كرافعة ثقة تعزز صورة المغرب لدى المستثمرين الدوليين، وتكرّس استقراره السياسي كعنصر جذب لرؤوس الأموال طويلة الأمد.
وهذا المعطى، وفق قراءة المركز، يفتح آفاقًا جديدة أمام الأقاليم الجنوبية، سواء على مستوى البنية التحتية أو الاستثمارات المرتبطة بالطاقة المتجددة واللوجستيك والاقتصاد الأزرق.
وإلى جانب هذا العامل السياسي-الاقتصادي، يضع التقرير تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 ضمن لائحة الفرص الكبرى، باعتباره محركًا إضافيًا للنمو، خاصة في قطاعات السياحة، والنقل، والخدمات، والبنية التحتية. كما يربط المركز بين هذه التظاهرة القارية واستعدادات المغرب لاحتضان تظاهرات كبرى أخرى، بما يعزز تراكم الخبرات ويكرّس موقع المملكة كوجهة إقليمية قادرة على تنظيم أحداث دولية ذات كلفة تنظيمية عالية وتأثير اقتصادي ملموس.
ويشير التقرير إلى احتمال استرجاع المغرب درجته الاستثمارية من وكالة ستاندرد آند بورز بعد فقدانها قبل أربع سنوات، معتبرا ذلك من الفرص القوية التي قد تعيد خفض كلفة التمويل الخارجي وتحسّن شروط الولوج إلى الأسواق المالية الدولية. ويأتي هذا الاحتمال مدعومًا، بحسب المركز، باستمرار الإصلاحات المالية وضبط التوازنات الكبرى، رغم الضغوط المتزايدة على الميزانية.
وعلى مستوى الفرص ذات الوقع المتوسط، يبرز التقرير دينامية الطلب الداخلي والتوجه التصاعدي لصادرات “المهن العالمية للمغرب”، إضافة إلى الزخم الذي يعرفه النشاط السياحي. كما يولي أهمية خاصة لانطلاق أولى المشاريع المرتبطة بالهيدروجين الأخضر و”الجيغا فاكتوريز”، معتبرًا أنها تمثل تحولًا نوعيًا في بنية الاقتصاد المغربي، من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد صناعي وتكنولوجي ذي قيمة مضافة أعلى.
كما يشير إلى مشاريع تعزيز السيادة الطاقية والمائية، التي تناهز استثماراتها 130 مليار درهم، باعتبارها استجابة استراتيجية لتحديات المناخ والاعتماد الخارجي.
في المقابل، لا يغفل التقرير تسجيل المخاطر الأساسية التي تواصل الضغط على الاقتصاد الوطني وفي مقدمتها الهشاشة المناخية، خصوصًا ما يتعلق بالموارد المائية والتي يصفها المركز بأكبر تهديد بنيوي على المدى المتوسط. كما يشير إلى تصاعد التوترات الجيو-اقتصادية العالمية واستمرار معدل البطالة عند مستويات مرتفعة نسبيًا، رغم التحسن المسجل مؤخرًا.
واللافت في تقييم التقرير هو تقليله من أثر السياسات الجمركية الجديدة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاقتصاد المغربي، إذ يصنفها ضمن خانة المخاطر غير الواردة، معتبرًا أن انعكاساتها تبقى هامشية. كما استبعد في المرحلة الحالية، خطر عودة التضخم بشكل مقلق.
وسجل التقرير معطيات إيجابية، من أبرزها تراجع معدل البطالة إلى 13.1 في المئة خلال الربع الثالث من سنة 2025، مقابل 13.6 في المئة خلال الفترة نفسها من 2024، إلى جانب تسجيل تضخم متحكم فيه مع ارتفاع طفيف بنسبة 0.1 في المئة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025 على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى له منذ مارس/اذار 2021.
ويقدم تقرير ‘بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسورش’ صورة مركبة للاقتصاد المغربي: فرص استراتيجية مدفوعة بالتحولات الجيوسياسية والاستثمارات الكبرى، مقابل تحديات هيكلية تتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات لضمان استدامة النمو وتعزيز مناعة الاقتصاد الوطني.







