سياسة

الأزمة السورية والتسوية الغائبة


رغم اقتراب الأزمة السورية من دخول عقدها الثاني فإن جميع المبادرات التي طرحت لحلها حتى الآن فشلت.

فيما الوضع الإنساني والمعيشي يزداد سوءا وصعوبة في سوريا، كلما تأخرت التسوية السياسية، فمرجعية جنيف -وفق القرار الدولي 2245- لم تعد موجودة بفاعلية على جدول محادثات الدول الكبرى، ومرجعية “أستانة- سوتشي” تراوح مكانها خاصة بعد أن أقر المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون إخفاق اللجنة الدستورية، فيما المبادرات العربية والإقليمية التي طرحت في السابق انتهت دون أثر يذكر، ولعل السبب الأساسي لفشل هذه المبادرات يتعلق بحسابات الأطراف المتصارعة محليا وإقليميا ودوليا، فالنهج الذي اعتمدته الدولة وصل إلى نقطة مسدودة في ظل المعادلات التي تشكلت في مناطق شمال غربي سوريا (إدلب) وشمال شرقي سوريا (شرقي الفرات)، فضلا عن المنطقة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، فالمنطقة الأولى باتت بإدارة “روسية – تركية” مشتركة، وتخضع لحسابات المصالح العليا بين البلدين التي هي أكبر من المصالح الخاصة بالأزمة السورية، وبالتالي أي تحرك عسكري في هذه المنطقة لا بد أن يكون وفق الرؤية المشتركة للدولتين، والمنطقة الثانية أي شرقي الفرات تخضع للنفوذ الأمريكي رغم زيادة النفوذ الروسي فيها عقب التداعيات التي خلفتها عملية “نبع السلام” التركية في المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين، ورغم المشاحنات التي تحصل بين القوات الروسية والأمريكية بين الحين والآخر في هذه المنطقة فإن العلاقة بين الجانبين تخضع في النهاية لضوابط التفاهمات العليا بينهما، وعليه ينبغي النظر إلى أن الاستمرار في الخيار العسكري وفقا للمعادلة السابقة قد يكون كارثيا لجهة النتائج، لا سيما في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في عموم سوريا فضلا عن تحديات انتشار وباء كورونا.

وفي قراءة عامة لمشهد الأزمة السورية، يمكن القول إن خمسة أطراف أساسية هي التي تؤثر في الأزمة السورية وتحدد ملامحها، وهي:

الأولى – روسيا التي هي القوة الأكثر نفوذا وتأثيرا في مسار الأزمة السورية منذ تدخلها العسكري في سوريا، ومع أن الدعم الروسي للجيش السوري كان أساسيا في استعادة الأخير لمناطق واسعة، إلا أن هذا المسار وصل إلى مرحلة التحديات الكبرى التي تجعل من أي تحرك عسكري جديد محفوف بمخاطر كبرى.

الثانية – الولايات المتحدة التي حصرت نفوذها في شرقي الفرات، تلك المنطقة المهمة والحيوية لا لجهة الموارد الاقتصادية والنفطية والمائية فقط، وإنما لأسباب لها علاقة بأمن المنطقة ككل، لا سيما العراق حيث القواعد الأمريكية على طرفي الحدود، وأهمية قطع الطريق أمام المشروع الإيراني، ورغم قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا فإن الإدارة الأمريكية أبقت على هذه القوات، بل عززت من وجودها العسكري هناك، في تأكيد على أنها باقية انطلاقا من استراتيجيتها التي تتجاوز حسابات الأزمة السورية

الثالثة – تركيا التي رأت في الأزمة السورية فرصة ذهبية .. وعليه استغلت كل الفرص، واستخدمت كل الوسائل والتحرك العسكري في مناطق واسعة من شمال سوريا وشرقها.. إلا أن التحرك التركي بدا في النهاية محكوما بمعادلات إقليمية ودولية، وهي معادلات توحي بأن المشروع التركي بانتظار تسوية سياسية منشودة للأزمة السورية.

 الرابعة – إيران التي استفادت من الأزمة السورية في زيادة نفوذها وزج الجماعات والمليشيات المسلحة المرتبطة بها في الساحة السورية حتى أصبحت هذه الجماعات طرفا أساسيا في معظم إن لم نقل جميع المعارك التي جرت في سوريا، وقوة مؤثرة فيها، لكن مشكلة المشروع الإيراني أنه يواجه رفضا من القوى العربية والإقليمية والدولية، كما أن معظم الدول تشترط أي تسوية للأزمة السورية بانتهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا، بل إن إسرائيل كثفت من استهدافها العسكري لهذا الوجود في ظل ضوء أخضر أمريكي، وتفهم روسي للعمليات الإسرائيلية التي باتت شبه أسبوعية.

الخامسة – إسرائيل التي تبدو في الظاهر غير معنية كثيرا بالأزمة السورية، ولكن في حقيقة الأمر هي أكثر جهة تسعى عبر مسارات متداخلة عسكريا وسياسيا وأمنيا لترتيب الوضع السوري، وفق مصالحها الإقليمية، ولعل ما يهمها بالدرجة الأولى عدم وجود تهديد لها.

في الواقع، رغم تضارب مصالح هذه الأطراف وأجنداتها تجاه الأزمة السورية فإن ثمة قناعة ترسخت لدى الجميع باستحالة قدرة طرف من هذه الأطراف على حل الأزمة وفقا لأجنداته، كما ثمة قناعة باستحالة قدرة المبادرات السابقة بما في ذلك جنيف وسوتشي في إيجاد تسوية للأزمة السورية، وفي هذا الإطار يمكن تفسير زيادة الحديث عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، وبغض النظر عن واقعية طرح هذا المجلس، فإن وصول الأمور إلى هذه النقطة المسدودة ينبغي أن يدفع بأطراف الأزمة السورية إلى إعادة التفكير بنهجها في إدارة هذه الأزمة، إذ إن الواقعية السياسية وتفهم الوقائع والمعطيات التي تشكلت على الأرض سياسيا وإداريا واقتصاديا وتنظيميا.. باتت حاجة ملحة للخروج من هذه الأزمة التي باتت تستنزف الجميع دون استثناء حتى لو تظاهر البعض بغير ذلك.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى