سياسة

احتلال إيراني للبنان أم لا؟

سناء الجاك


يسود حبس أنفاس في لبنان بانتظار جلاء ملامح المفاوضات التي تعقد الاثنين، بين القوى الغربية وإيران في فيينا.

حبس أنفاس واهتمام قد يفوق اهتمام الشعب الإيراني نفسه بهذا الحدث، ربما لأن هذا الشعب لا يعوِل كثيرا على ما يحدث في الخارج. وهمه الأكبر يبقى في الداخل ومفاتيح الفرج لأزماته ترتبط بنظامه، أكثر مما ترتبط بنتائج هذه المفاوضات التي تخترق أبواب العاصمة النمساوية المقفلة بسبب تفاعلات متحورات فيروس كورونا.

أما في لبنان، يمكن القول إن هناك شبه إجماع على ربط مصير البلد الغارق في انهياراته بنتائج هذه المفاوضات، ففئة كبيرة من القوى السياسية، إن لم نقل جميعها تترقب متحورات هذه المفاوضات وتفاعلاتها على لبنان كورقة تستخدمها إيران، إما سلبا أو إيجابا، كل بموجب تمركزه ومحوره.

ولبنان الممنوعة حكومته من الاجتماع حول طاولة مجلس الوزراء، بسبب إصرار “حزب الله” على قولبة القضاء وفق مصالحه، بات منقسما بين معسكرين، الأول يعلن مقاومته “الاحتلال الإيراني”، أو بالحد الأدنى رفضه هيمنة الحزب ومصادرة السيادة خدمة للمحور الإيراني، والثاني ينفي هذا الواقع جملة وتفصيلا، ويؤكد أن حلفاء إيران في لبنان ليسوا الحاكمين بأمرهم ولا يسيطرون على مفاصل الدولة.

ومصطلح “الاحتلال الإيراني” طرح في التداول، للمرة الأولى، في بيانات “لقاء سيدة الجبل” برئاسة النائب السابق والأمين العام السابق لقوى “14 آذار” فارس سعيد، واستوجب تحركا معاكسا من “حزب الله” الذي فرض بهيمنته منع عدد من الفنادق استقبال مؤتمر تحت هذا العنوان قبل حوالي ثلاثة أعوام.

كما استوجب ابتعاد بعض القوى التغييرية عن اللقاء بحجة “استفزازية” هذا العنوان، بما يؤثر على مطالب الشعب اللبناني بحياة سياسية واقتصادية كريمة وبعيدة عن الفساد. وبما يشتت التحركات الشعبية على هذا الصعيد.

لكن، ومنذ فترة، عاد الرافضون للشعار إلى تبنيه، سواء بعدما تبينوا صحته، وفهموا أن الفساد محمي من الاحتلال وذراعه اللبنانية في عملية تبادل مصالح تمنح “حزب الله” الغطاء المطلوب داخليا، أو لأن الانتخابات النيابية إذا حصلت في موعدها بعد أشهر، تتطلب شد عصب يساهم رفع هذا الشعار بتغذيته، ببساطة لأنه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ليصبح معمما على ألسنة السياسيين الذين كانوا قبل فترة يهادنون الحزب ويتعاملون مع إملاءاته بالتي هي أحسن تجنبا للمواجهة.

ولعل تحذير النائب السابق وليد جنبلاط من “تسليم لبنان إلى المحور السوري الإيراني” خير دليل على ذلك.

حتى أن من يحاذر استخدام مصطلح “الاحتلال الإيراني”، لا يتوانى عن توصيف مفاعيله وارتداداته، كما فعل البطريرك الماروني بشارة الراعي عندما رفض تمكين أصحاب “أجندات التركيع والتجويع” من تنفيذ مخططهم التدميري “للسيطرة على لبنان”. كما رفض نهج “الاستقواء والسلاح والشاطر بشطارته والقوي بعضلاته”. ليوكد أن البلد واقع تحت “تأثير كبير من حزب الله”، ويسأل: “أين الدولة وأين رئيس الجمهورية لماذا هم خاضعون إذا كان هناك من يستقوي علينا؟”.

بالتالي، فإن المعسكرين باتا واضحين، لا لبس في وجودهما ومواجهاتهما الحالية والمرتقبة. ولم يعد يقتصر السجال بشأن هذا “الاحتلال” على صفحات التواصل الاجتماعي تقوده جيوش إلكترونية منظمة، فقد انتقل إلى المنابر، وتطرق إليه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، ليعتبر أن الكلام عن هيمنة الحزب على لبنان هو كلام فارغ وفكرة سخيفة، والأسخف منها هو “الاحتلال الإيراني” للبنان. وكذلك فعل مسؤولو الحزب الذين تكثف ظهورهم في مواسم العزاء ليتهموا بالعمالة والخيانة العظمى كل من يروج لهذا المصطلح ويتهم الحزب بالهيمنة على القرار اللبناني بغية تنفيذ الأجندة الإيرانية.

حتى أن رئيس حزب “التيار الوطني الحر” وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل لحق بركب حاميه لينفي وجود “الاحتلال” في محاولة شد عصب جمهوره المتقلص، فغرد مُطَمْئِنا هذا الجمهور، داعيا إياه إلى نبذ الخوف لأن “لا احتلال ايرانيا للبنان.. ولا أحد يستطيع ان يحتل لا ثقافتنا ولا ديانتنا ولا ايماننا وهذه الارض بالذات وهذه الجبال لا أحد يستطيع ان يحتلها او يدوسها”.. والهدف هو تبرير انطوائه تحت راية المحور الذي أوصل ميشال عون إلى سدة الرئاسة بعد تعطيل للانتخابات استمر سنتين ونصف. كذلك ضمان متابعته المسيرة ليصل بدوره إلى الكرسي المنشود بعد حوالي العام، مع انتهاء ولاية عمه.

وبانتظار أن يتبين العالم الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مفاوضات فيينا، وما إذا كانت انطلاقتها سلسة وواعدة بتوضيح الرؤية والعلاقات الإقليمية بين إيران ومحيطها العربي، سيبقى لبنان ورقة في مهب عواصف التسويات، وسيبقى التجاذب حادا بين من ينادي بمقاومة “الاحتلال الإيراني” وبين من يرفض المصطلح جملة وتفصيلا، ما سيحوِّله مادة للتمترس السياسي وربما الأمني، وفق متطلبات المرحلة ومدى سخونتها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى