إلى أين تقود شراكة روسيا وكوريا الشمالية؟
زيارة تاريخية هي الأولى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية منذ 24 عاما، أسفرت عن اتفاقية شراكة استراتيجية بين البلدين، لكن اللافت في تلك الاتفاقية كان بند «الدفاع المشترك».
فكلا البلدين نووي و«معادٍ» للغرب، وهي معادلة كفيلة بأن تقود لـ«حرب عالمية شاملة ومدمرة» حال قرر البلدان التعاون الدفاعي وشن هجمات على أهداف غربية.
ليست الأولى تاريخيا
ورغم ما أثارته الاتفاقية من مخاوف فلم تكن الأولى بين البلدين فقد سبقتها اتفاقية تعاون عسكري بين كوريا الشمالية والاتحاد السوفياتي السابق، وقعت في عام 1961.
وكانت الاتفاقية من شأنها أن تسمح لروسيا بالتدخل إذا تعرضت كوريا الشمالية لهجوم، وقد ألغيت لاحقًا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي واستبدلت بمعاهدة ذات تدابير أمنية أقل.
لكنه من غير المعروف ما إذا كانت الاتفاقية الجديدة تتضمن نفس الإجراءات أو إجراءات مشابهة لاتفاقية عام 1961.
والبلدان حليفان منذ تأسست كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية وتقاربتا منذ أدت العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا عام 2022 إلى عزل بوتين في الساحة الدولية.
الاتفاقية الجديدة
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، عن توقيع الاتفاقية مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، تتضمن تعهدا بالدفاع المشترك، وهو أحد أهم تحركات روسيا في آسيا منذ سنوات، وصفها كيم بأنها ترقى إلى مستوى «التحالف».
وجاء تعهد بوتين بإصلاح كامل لسياسة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إزاء كوريا الشمالية، فيما تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون قياس المدى الذي يمكن لروسيا تعميق دعمها للدولة الوحيدة التي أجرت اختبارا لسلاح نووي هذا القرن.
وفي أول زيارة له إلى بيونغ يانغ منذ يوليو/تموز عام 2000، ربط بوتين صراحة تعميق العلاقات الروسية مع كوريا الشمالية بـ«دعم الغرب المتزايد لأوكرانيا»، وقال إن بوسع موسكو أن تطور تعاونا عسكريا وتقنيا مع بيونغ يانغ.
وأوضح أن تسليم الغرب أسلحة متطورة بعيدة المدى، بما في ذلك مقاتلات إف-16، إلى أوكرانيا لشن ضربات ضد روسيا ينتهك اتفاقات رئيسية.
بند الدفاع المشترك
وينص بند الدفاع المشترك الذي تضمنته الاتفاقية مساعدة البلدين لأحدهما الآخر في «صد أي عدوان خارجي».
وقال بوتين إن «اتفاقية الشراكة الشاملة الموقعة اليوم تنص، من بين أمور أخرى، على المساعدة المتبادلة في حالة تعرض أحد طرفي الاتفاقية لعدوان».
وأضاف بوتين: “فيما يتعلق بذلك، لا تستبعد روسيا نفسها تطوير تعاون عسكري تقني مع كوريا الشمالية».
وأشاد كيم بروسيا لاتخاذها ما وصفه بأنه خطوة استراتيجية مهمة للغاية لدعم كوريا الشمالية، التي تأسست عام 1948 بدعم من الاتحاد السوفياتي السابق.
تحول جذري
وقال أرتيوم لوكين، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأقصى الاتحادية الروسية إنه بموجب الصياغة الدقيقة للاتفاق، الذي لم يُكشف عنه النقاب بعد، قد يمثل ذلك تحولا جذريا في الوضع الاستراتيجي بأكمله في شمال شرق آسيا.
وأوضح محللون أنه من المرجح أن تعيد زيارة بوتين تشكيل العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية الممتدة منذ عقود في وقت يواجه فيه البلدان عزلة دولية.
وتمثل الاتفاقية أقوى علاقة بين البلدين منذ نهاية الحرب الباردة، حسبما ذكرت وكالة “أسوشيتد برس”.
ووصفها بوتين بأنها “وثيقة اختراق” تعكس رغبة كل دولة في نقل العلاقات إلى مستوى أعلى.
وقال كيم إن موسكو وبيونغ يانغ تربطهما “صداقة نارية” ووصف الاتفاق بأنه “أقوى معاهدة على الإطلاق”.
وتراقب كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الزيارة عن كثب وعبرتا عن قلقهما إزاء تنامي العلاقات العسكرية بين البلدين.
ورغم أنه لدى كوريا الشمالية معاهدة دفاعية مع الصين، فإنها لا تقيم تعاونا عسكريا نشطا مع بكين كالذي طورته مع روسيا خلال العام الماضي.
ولم يصدر بعد رد عن الصين، الداعم السياسي والاقتصادي الرئيسي لكوريا الشمالية.
رسالة قوية لأمريكا والحلفاء
ومن جانبه، قال أستاذ الدراسات الكورية لدى جامعة أوسلو فلاديمير تيخونوف، إن “روسيا ستعمل الآن على تخريب نظام العقوبات المرتبطة بكوريا الشمالية بشكل كبير، بالفعل إن لم يكن بالقول”.
وأضاف في حديث لـ”لفرانس برس” إن “البند الجديد المرتبط بالدعم المتبادل هو تذكير للأمريكيين بأن روسيا قد تعقّد حياتهم إذا دعموا أوكرانيا بحماسة كبيرة”، مشيرا إلى حوالى 28 ألف جندي أمريكي ينتشرون في كوريا الجنوبية، الحليفة الأمنية الرئيسية لواشنطن.
ورأى تيخونوف أن الاتفاق بين موسكو وبيونغ يانغ “يمكن أن يجعل من التخطيط العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية أمرا أكثر تعقيدا بكثير”.
ولا تزال الكوريتان في حالة حرب تقنيا منذ نزاعهما بين العام 1950-53 وتعد الحدود الفاصلة بينهما من بين الأكثر تحصينا في العالم.
وقال الأستاذ لدى جامعة إيهوا في سيول ليف إريك إيزلي إن “زيارة هذا الأسبوع كانت طريقة بوتين لتوجيه الشكر لكوريا الشمالية في دعمها موسكو بأوكرانيا”.
كما أنها جزء من المساعي الروسية لضمان “مساحة استراتيجية” في شمال شرق آسيا بهدف مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، بحسب الباحث لدى “معهد استراتيجيات الأمن الوطني” كيم سونغ-باي.
وأضاف “تثبت هذه النية أكثر زيارة بوتين لفيتنام” التي سيتوجّه إليها الرئيس الروسي بعد كوريا الشمالية.
استقبال حافل
واستقبلت حشود مبتهجة واحتفالات تتسم بالفخامة الرئيس الروسي اليوم الأربعاء في بيونغ يانغ، واستقبل كيم بوتين في المطار.
وفي بداية المحادثات عبر كيم عن “دعمه غير المشروط لكل السياسات الروسية” بما يشمل “دعما كاملا وتحالفا قويا” مع موسكو في حربها مع أوكرانيا.
وقال بوتين في مستهل المحادثات مع كيم “نقدر بشكل كبير دعمكم المستمر والثابت للسياسة الروسية، بما في ذلك ما يتعلق بأوكرانيا”.
وفرض الغرب على روسيا ما وصفه بأنها أشد عقوبات على الإطلاق ردا على غزوها لأوكرانيا في فبراير شباط 2022.
واصطف حرس الشرف، الذي يضم جنودا، وحشدا كبيرا من المدنيين في الساحة الواقعة على ضفة نهر تايدونج الذي يمر عبر العاصمة الكورية الشمالية في استقبال حافل لبوتين.
وذكرت وسائل إعلام روسية أن كيم وبوتين توجها بعد ذلك إلى قصر كومسوسان لإجراء محادثات القمة.
وقال بوتين إن روسيا تحارب “سياسة الهيمنة والاستعمار” التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ عقود.
كما نقلت تقارير عن كيم القول إن العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا تدخل فترة من “الازدهار الجديد”.
وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن الشراكة بين البلدين هي “محرك لتسريع بناء عالم جديد متعدد الأقطاب” وإن زيارة بوتين تظهر قوة ومتانة الصداقة والاتحاد بينهما.
وتستغل روسيا علاقاتها الجيدة مع كوريا الشمالية لإزعاج واشنطن، في حين حصلت بيونغ يانغ التي تخضع لعقوبات مشددة على دعم سياسي ووعود بالدعم الاقتصادي والتبادل التجاري من موسكو.
وتقول الولايات المتحدة وحلفاء لها إنهم يخشون أن تقدم روسيا المساعدة لبرنامجي كوريا الشمالية الصاروخي والنووي، المحظورين بموجب قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
واتهموا بيونغ يانغ بتقديم صواريخ باليستية وقذائف مدفعية استخدمتها روسيا في حربها في أوكرانيا، فيما تنفي موسكو وبيونغ يانغ تبادل الأسلحة.