سياسة

إشغال روسيا بمحيطها للاستفراد بالصين

عبدالحميد توفيق


التسخين المتواصل على جبهات أوكرانيا مع روسيا، وعلى جبهات بيلاروسيا من جانب بولندا تحت مبررات مختلفة يطرح أسئلة عن تزامنها توقيتا ومكانا وأبعادا وعن حيثيات الدوافع الكامنة في طياتها.

للوهلة الأولى أوحى تصعيد الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وصوله إلى “البيت الأبيض” ضد روسيا وضد الصين بأنه سيدفع هذين البلدين إلى تعميق تحالفهما القائم أساسا على ركائز متعددة، من بينها مواجهة الهيمنة الأمريكية بكل ملامحها، وهو ما بدت إرهاصاته تتجلى مع كل تحد تفرضه الإدارة الأمريكية على أحد منهما في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية.

إذاً هل هدف التسخين هو رفع منسوب التوتر في تلك المنطقتين المحاذيتين لحدود روسيا بما يقلق موسكو من اتجاهين جغرافيين ومن عمقين استراتيجيين لها ولمصالحها ولنفوذها؟ 

الأهم: هل تقدم عدوها التاريخي، حلف شمال الأطلسي، خطوة أخرى باتجاه خطوطها  الحمراء ليكون أكثر استفزازاً للروس؟

إلى أي مدى يعكس المشهد غير المستقر في محيط روسيا رؤية الولايات المتحدة الأمريكية غير المعلنة لجر موسكو نحو دائرة توتر وابتزاز واستفزاز دائم في محيطها تشغلها عن حليفتها بكين، بحيث تتفرغ واشنطن للعمل على مواجهة الصين سياسيا واقتصاديا عبر الضغط والابتزاز لإخضاعها، أو إيقاف عجلة هيمنتها التي تشكل كابوسا ثقيلا على صدر واشنطن، أو على الأقل انتزاع تفاهمات معها تخفف قلقها؟

علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأطلسيين ليست على ما يرام، وقد تعمقت على خلفية اتفاقية أوكوس مع لندن وكانبيرا.

مقاربة الأوروبيين لعلاقات بلادهم مع الصين مختلفة إن لم تكن متناقضة مع الأمريكيين، والأمر ينطبق إلى حد كبير على العلاقات مع روسيا، الحامل المحوري لكل ذلك هو الشراكات والتداخلات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين تلك البلدان شرقها مع غربها، والمخاطر التي تفرضها الجغرافيا المتقاربة بينهم على عكس الواقع مع الولايات المتحدة التي تفصلها آلاف الأميال عنهما.

يمكن للولايات المتحدة خوض حرب باردة مع روسيا بأدوات مغايرة عما هو متعارف عليه، وذلك من خلال دول أخرى، إما طامحة لنيل ثقة واشنطن المرجِّحة لانضمامها إلى هياكل حلف شمال الأطلسي مثل أوكرانيا، أو من قبل دول منضوية تحت راية الناتو تسعى للعب أدوار تمنحها مكانة أكثر رسوخا داخله، مثل بولندا.

في كلتا الحالتين تقوم كل دولة من تلك الدول بتفجير أزمات أو تصعيد توترات مختلفة مرتبطة بطريقة ما بمصالح روسيا الحيوية والاستراتيجية تجعلها مجبرة على منح جزء من ثقلها السياسي ومخزونها الاقتصادي والعسكري لدرء مخاطر تصبح محتملة على أمنها القومي والوطني، نظرا للتداخلات القائمة بين تلك المجتمعات على أكثر من صعيد، مما يضعها أمام خيارات متعددة، منها ترجيح اهتمام على آخر على المستوى البعيد مع الصين، ومنها ضرورة التنازل عن دورها كحليف لبكين في مواجهة واشنطن، أو على الأقل تقليل فعاليته تحت ضغط التهديدات التي تلوح في محيطها.

الوضع في أوكرانيا بجميع حوامله يمثل قضية روسية داخلية وفقا لما يعلنه المسؤولون الروس.

مآخذ سياسية عديدة يرفعها الأمريكيون وحلفاؤهم في وجه الكرملين من جراء سياسة موسكو مع أوكرانيا.

الانقسام الجغرافي والسياسي داخلها بكل أشكاله  يغذي الجانبين الأمريكي-الأطلسي، والروسي بأسباب رفع منسوب المواجهة واستمرارها سياسيا، مع استعراضات عسكرية لا تخلو من تصعيد وتحذيرات مبطنة ضد بعضهما ولكن بشكل منضبط حتى الآن. 

مشكلة المهاجرين على حدود بيلاروسيا-بولندا خلقت توترا مباشرا لدى الكرملين لسببين، الأول أن مينسك، حليفة لموسكو، وتشكل حديقة خلفية لروسيا ومصالحها الجيواستراتيجية لعوامل تاريخية وأمنية وأيديولوجية متعلقة بنمط وفلسفة الحكم لديهما، والسبب الثاني أن خصمها الناشئ، بولندا، رأس حربة في الحلف الأطلسي، وحين تتصاعد السجالات بين الطرفين فستكون قراءة موسكو مستندة إلى محرضات الدور البولوني وأبعاده على أمنها القومي.

أمام هذا المشهد تبدو الحرب التقليدية أو النووية أكثر استبعادا بين روسيا والولايات المتحدة، وبين الأخيرة والصين.

البدائل المحتملة: واشنطن تدفع حلفاءها الأطلسيين لمشاغلة روسيا على المدى الطويل مع تفعيل عقوبات اقتصادية خانقة على موسكو دون التورط في مواجهة مباشرة.

في حين الخيار الأرجح لواشنطن مع الصين هو تفعيل قوة وإمكانات ثلاثي “أوكوس” واعتماد سياسة الحصار البحري من قبل دوله مترافقا مع عقوبات اقتصادية لإنهاكها طمعا باحتوائها إن لم تتمكن من تطويعها.

أكثر خيارات موسكو ترجيحا هو بلورة نهج سياسي يتأقلم مع التحديات الماثلة بما يحفظ مصالحها دون الانزلاق إلى حروب مباشرة مع أحد.

خيارات بكين اقتصادية الطابع.. مرونة أكبر في امتصاص ضغط مجموعة “أوكوس”، مستعينة بشرايينها الاقتصادية والتجارية التي تغذي غالبية دول المعمورة.

تراجع الناتو، وعلى قمته واشنطن في أوكرانيا، مستبعد بعد تثبيت وجودهم.. تراجع موسكو عن خطوطها الحمر المرسومة لأوكرانيا وللناتو في دونباس غير وارد لأنها ستحمل نذر الهزيمة.

العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى