سياسة

إسرائيل في مواجهة إيران: استراتيجيات لتجنب حرب استنزاف طويلة


انتهت الضربة الإسرائيلية لإيران إلى ما يمكن أن يُرضي إسرائيل وإيران والولايات المتحدة.

وفي مؤشر على أن إسرائيل اعتبرت أن تلك الضربة، التي تمت فجر يوم السبت، هي الخطوة الأخيرة في الرد على الهجوم الإيراني بالأسلحة الباليستية على إسرائيل في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال الجيش “لإسرائيل الحق والواجب في حماية مواطنيها إذا اختار النظام في إيران مواصلة اعتداءاته ضد إسرائيل ومواطنيها”.

لماذا اقتصرت الضربة على الأهداف العسكرية؟

وبدا أن إسرائيل أرادت الرد بالمثل كون الهجوم الإيراني مطلع الشهر الجاري طال أهدافا عسكرية إسرائيلية فقط، وليس أهدافا مدنية أو بنى تحتية استراتيجية.

وكان الجيش الإسرائيلي واضحا في بيانه الأول عن الهجوم، مؤكدا أنه اقتصر على الأهداف العسكرية.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن واشنطن أبلغت إسرائيل بأنها لا تريد أن يطول الهجوم منشآت نفطية أو نووية، لا سيما مع قرب الانتخابات الرئاسة الأمريكية مطلع الشهر المقبل.

وأوضحت أن واشنطن خشيت من أن يؤدي الهجوم على منشآت نفطية إلى ارتفاع أسعار الوقود، وهو ما سيؤثر أيضا على المواطنين الأمريكيين، فضلا عن تهديد إيران بمهاجمة أهداف للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

وأضافت أن مهاجمة الأهداف النووية كان من شأنه أن يؤدي، وفقا للمخاوف الأمريكية، إلى حرب إقليمية لا تريدها الولايات المتحدة الأمريكية عشية انتخاباتها الرئاسية.

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، ربما كان التسريب الأمريكي لوثيقة استخباراتية عن الاستعدادات الإسرائيلية محاولة من واشنطن لكبح جماح الرد الإسرائيلي وتوجيه رسالة غير مباشرة لطهران بالاستعداد.

من جهته، قال يائير غولان زعيم تحالف “الديمقراطيون” المعارض، ونائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق “ما جرى هو نتيجة الضغط الأمريكي”.

وأضاف غولان، في تدوينة على منصة “إكس”: “نجح الضغط الأمريكي أو نجح صوت المنطق العسكري في إحداث التغيير، هناك احتمال كبير بأن الرد الإسرائيلي أدى إلى الإضرار بقدرات إيران الدفاعية والهجومية، لكن دون أن يجرنا إلى حرب استنزاف، والتي لا تقع ضمن نطاق أمن إسرائيل ومصالحها الوطنية”.

وأضاف “الرد الختامي وليس الرد المفتوح هو ما تحتاج إليه إسرائيل، وإذا سارت الأمور على هذا النحو فيمكننا العودة إلى الأمر الأهم الذي ترفض الحكومة الإسرائيلية التعامل معه، صفقة إطلاق سراح الرهائن” في غزة.

تفاصيل ضربة “أيام الحساب”

وأطلق الجيش الإسرائيلي على الهجوم اسم “أيام الحساب”، ومع ذلك فإن الحساب استغرق 4 ساعات.

وقالت القناة الإخبارية 12 الإسرائيلية، في تقرير : “لأول مرة في التاريخ هاجمت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي أهدافا في عمق إيران، حيث اخترق أسطول من الطائرات المقاتلة الأكثر تقدما في العالم وطائرات الاستطلاع وطائرات التزود بالوقود مسافة 1500 كيلومتر من إسرائيل في ثلاث موجات من الهجوم”.

وأضافت “في الموجة الأولى تم تحييد أنظمة الدفاع الجوي، وفي الموجات اللاحقة تعرضت للقصف منشآت لإنتاج الصواريخ والطائرات دون طيار، وقاذفات صواريخ أرض-أرض”.

وتابعت “وراء العملية المعقدة كان هناك نظام جوي متنوع، الذي تضمن أفضل طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والأنظمة المتقدمة”.

الفارق بين الهجومين الإيراني والإسرائيلي

وقال الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي عاموس يادلين “بعد فترة انتظار استمرت شهرا تقريبا انتهى الترقب المتوتر لرد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني”، لافتا إلى أن تبني إسرائيل الهجوم على إيران “يعد سابقة”.

وأضاف في مقال : “بعد مرور عام على كارثة سيمحات توراة (هجوم 7 أكتوبر)، يعد هذا نجاحا مثيرا للإعجاب آخر لإسرائيل، حيث يسهم في استعادة صورة الردع في مواجهة إيران والمنطقة”، مضيفا “مع ذلك يجب أن نتذكر أن الإنجازات العسكرية لم تترجم بعد من قبل المستوى السياسي إلى ترتيبات من شأنها تحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل”.

وقال “إيران هاجمت بكتلة من الصواريخ والطائرات دون طيار لإشباع أنظمة الدفاع وإحداث الضرر، أما إسرائيل فإن هجماتها مركزة ودقيقة، حيث تصل كل ذخيرة تطلق إلى هدفها، وتتمتع بميزة واضحة في الدفاع ونشر الجبهة الداخلية”.

واشنطن حددت شكل الرد

وأشار يادلين إلى أنه “على الرغم من الضربة التي وجهتها إسرائيل لإيران، يبدو أن منطق الهجوم الإسرائيلي كان يهدف إلى إغلاق الحدث”.

وقال “لم تستطع إسرائيل إلا الرد على الهجمات الإيرانية في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول، لكنها امتنعت عن مهاجمة الأهداف النووية والطاقة، معلنة أنها ضربت أهدافا عسكرية فقط مثل إطلاق وتصنيع قواعد للصواريخ والطائرات دون طيار”.

وأضاف يادلين “اختيار الأهداف ومنطق الهجوم هما في الواقع نتيجة الحوار الوثيق مع واشنطن والضغط من جانبها لتخفيف العمل، ولكن أيضا لمصلحة إسرائيل في تجنب فتح جبهة نشطة أخرى قبل الانتخابات الأمريكية، لذلك في نهاية المطاف كان الهدف من الهجوم هو استعادة الردع في مواجهة إيران وإبعادها كساحة من دائرة المواجهة المباشرة، من أجل تركيز الجيش الإسرائيلي على الشمال (لبنان) وزيادة الضغط على حماس في الجنوب (غزة)”.

واستدرك “لم تطلب إسرائيل إذنا أمريكيا للهجوم، لكنها بالتأكيد أخذت مواقفها بعين الاعتبار ونسقت التوقعات والخطط معها، ويعد التنسيق مع الإدارة الأمريكية أمرا بالغ الأهمية للإشارة إلى إيران بأن الاشتباكات المستمرة مع إسرائيل ستضر بها أكثر ويمكن أن تؤدي إلى توسيع نطاق التدخل الأمريكي عندما يتم تخفيض القيود السياسية بعد الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني”.

كيف أثر تراجع قوة حزب الله؟

وأشار يادلين إلى أنه “على المستوى الإقليمي كانت إحدى الأسئلة المركزية لإسرائيل والولايات المتحدة في سياق هجوم إسرائيلي معلن على إيران دائما هو الجبهة التي سيفتحها حزب الله ضدنا من لبنان”.

 وقال “من الواضح اليوم أن حزب الله لا يستطيع تزويد إيران بالنفوذ الاستراتيجي ضد إسرائيل، وهذا دليل على الأضرار الجسيمة التي لحقت بالحزب”.

3 سيناريوهات للرد الإيراني

وحدد يادلين والعقيد (احتياط) أودي أفينتال، خبير التخطيط الاستراتيجي والسياسي، ثلاثة سيناريوهات محتملة للرد الإيراني:

أولا: أن تقرر إيران إغلاق سلسلة تبادل الضربات مع إسرائيل أو ترد بطريقة تجعل من الممكن إغلاق الحدث.

ثانيا: أن تغير إيران منطقها وتختار استراتيجية الاستنزاف من خلال إطلاق صواريخ ضد إسرائيل على مدى فترة طويلة من الزمن.

وهذا سيناريو إشكالي بالنسبة لإسرائيل، ولكن الهجوم على إيران فجر السبت يمكن أن يردعها عن اتباع هذا المسار.

ثالثا: أن تُصعد إيران وتوسع هجومها ضد أهداف إسرائيلية.

ماذا بعد؟

واعتبر يادلين وأفينتال أن التحدي الإسرائيلي يتمثل في تجنب حرب استنزاف ضد إيران، والاستفادة من تحقيق “تصفية الحسابات” معها من أجل وقف التدهور إلى حرب متعددة الجبهات يخلقها المستوى السياسي في إسرائيل بيديه.

وأضافا “لقد حان الوقت لترجمة النجاحات العسكرية في الحرب إلى إنجازات استراتيجية وسياسية دائمة، خاصة في غزة ولبنان، مع التركيز على عودة الرهائن”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى