سياسة

إسرائيل تُهدد وحزب الله يتهيأ


باتت سُحب الدخان الناجمة عن اعتراض الصواريخ فوق شمال إسرائيل والحرائق الناتجة عن الغارات الجوية على جنوب لبنان إشارات واضحة على أن رقعة الحرب الدائرة في قطاع غزة قد تتسع إلى صراع أوسع يقول محللون إن مخاطره تهدد الجانبين.

وتصاعدت حدة الحرب الكلامية بين الطرفين مع التهديدات القوية من الأمين العام لجماعة حزب الله حسن نصر الله الأربعاء التي قال خلالها إنه في حال اندلاع الحرب “لن يكون هناك مكان في إسرائيل بمنأى عن صواريخنا ومسيراتنا وإن قبرص وأماكن أخرى بمنطقة البحر المتوسط ستكون أيضا في خطر”.

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة يطلق حزب الله صواريخ على إسرائيل ويقول إن التصعيد يأتي في إطار التضامن مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مما أجبر عشرات الآلاف على ترك منازلهم في إسرائيل وأدى لتصاعد الضغوط السياسية هناك لاتخاذ إجراءات أكثر قوة.

ونزح أيضا عشرات الآلاف من اللبنانيين من منازلهم بعد غارات إسرائيلية على جنوب لبنان. وخوفا من اتساع رقعة الصراع في المنطقة، أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى لبنان آموس هوكستين في جولة دبلوماسية جديدة هذا الأسبوع، كما أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن المسؤولين الإسرائيليين بضرورة تجنب المزيد من التصعيد.

وقصفت طائرات إسرائيلية أهدافا في جنوب لبنان الخميس وقتلت مقاتلا في حزب الله قالت إنه قائد عمليات الجماعة بمنطقة جويا وأقر حزب الله بمقتله دون وصفه بأنه قيادي في الجماعة.

وقالت أورنا مزراحي المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي “ليس هناك خيار جيد ولكن السؤال المهم هو إلى أي مدى يمكن أن تعاني إسرائيل جراء هذا الهجوم؟” وأضافت “أرى أن غالبية الحكومة لا تريد الدخول في حرب، لكنها قد تندلع”.

وفي لبنان جعلت تهديدات نصر الله الكثيرين يستعدون لحرب أوسع. ولكن بعض الدبلوماسيين والمحللين قالوا إن تهديداته محاولة لمضاهاة تصاعد حدة الخطاب من جانب إسرائيل.

وقال هوبرت فاوستمان المحلل السياسي وأستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة نيقوسيا “أرى أن ما يحدث هو جزء من إستراتيجية ردع”.

وتابع “هناك خطر كبير بأن تُصعد إسرائيل المواجهة مع حزب الله وأن تندلع حرب شاملة شعواء، وهو ما لا أعتقد أن حزب الله يريده”، مضيفا أن حزب الله يسعى إلى إظهار “ما بوسعه فعله” إذا اندلعت الحرب رغم أنه يشير إلى أنه لا يسعى إلى صراع أوسع.

ولدى إسرائيل أقوى جيش في الشرق الأوسط، لكن حزب الله لديه آلاف من المقاتلين، وكثير منهم متمرسون بسبب ما اكتسبوه من خبرة في الحرب الأهلية السورية. وبحوزة الجماعة أيضا ترسانة تضم عشرات الآلاف من الصواريخ القادرة على ضرب المدن في جميع أنحاء إسرائيل.

وتمتلك الجماعة أيضا أسطولا كبيرا من الطائرات المسيرة ويبدو أنها استخدمت واحدة منها في تنفيذ مهمة استغرقت وقتا فوق مدينة حيفا الساحلية هذا الأسبوع، مما يؤكد التهديد المحتمل للبنية التحتية الاقتصادية الرئيسية بما في ذلك أنظمة الطاقة.

ويمتلك حزب الله أنواعا إيرانية من الصواريخ مثل رعد وفجر وزلزال، التي تتميز بحمولة أقوى ومدى أطول من صواريخ كاتيوشا.

وشملت الصواريخ التي أطلقتها الجماعة اللبنانية على إسرائيل خلال حرب غزة صواريخ كاتيوشا وبركان بحمولة متفجرة تتراوح بين 300 و500 كيلوجرام.

حزب الله يسعى إلى إظهار ما بوسعه فعله إذا اندلعت الحرب”.

ونشر حزب الله مقطعا مصورا مدته تسع دقائق و31 ثانية لما قال إنها لقطات جمعتها طائرة مراقبة لمواقع في إسرائيل منها موانئ بحرية ومطارات في حيفا، والتي تبعد 27 كيلومترا من الحدود اللبنانية.

وأنذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل “ستحول بيروت إلى غزة” في حالة اندلاع حرب. ولكن من شأن تصعيد الصراع أن ينهك نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم (القبة الحديدية) والذي اعترض حتى الآن معظم الصواريخ التي أطلقها حزب الله والتي يقدر عددها بالمئات.

وقال سيث جي. جونز، المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “أحس أن حزب الله يشعر بأنه يحظى بنفوذ نوعا ما على الإسرائيليين، لأن الحرب في حال تصاعدها، ومهما كانت الأضرار التي قد تلحقها بلبنان وسوريا، ستسبب حالة من الرعب في إسرائيل”.

وتابع “سيكون من الصعب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية مواجهة ترسانة الصواريخ واسعة النطاق القادمة من الشمال. ستكون مشكلة عويصة”.

وفي سياق متصل قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة اليوم الجمعة إن حزب الله لديه القدرة على الدفاع عن نفسه وعن لبنان في مواجهة إسرائيل، محذرة من أن “الوقت ربما قد حان للتدمير الذاتي لذلك النظام غير الشرعي”.

وأضافت البعثة في منشور على منصة إكس “أي قرار متهور من النظام الإسرائيلي المحتل لإنقاذ نفسه يمكن أن يغرق المنطقة في حرب جديدة”.

بدوره قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم الجمعة إنه يشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد التوتر بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية، مضيفا أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تعمل على تهدئة الوضع ومنع التقديرات الخاطئة.

وقال للصحفيين “خطوة متهورة واحدة أو تقدير خاطئ واحد يمكن أن يؤدي إلى كارثة تتجاوز الحدود بكثير، وبصراحة تفوق الخيال”.

وأضاف “دعونا نكون واضحين: شعوب المنطقة وشعوب العالم لا تستطيع أن تتحمل أن يصبح لبنان غزة أخرى”.

 

ويُجري قادة عسكريون إسرائيليون تدريبات وتقييمات منذ أسابيع استعدادا لما أسماه الجيش الإسرائيلي “واقعا سنضطر فيه للقتال على نطاق مختلف في الشمال”.

ويستمر القتال في غزة، المسرح الرئيسي للحرب منذ هجوم مقاتلين بقيادة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقدر مسؤولون إسرائيليون أن نهاية المرحلة الرئيسية من القتال لن تكون قبل أسابيع.

وتحتاج العديد من الوحدات إلى الراحة وإعادة التجهيز بعد القتال العنيف في غزة، لكن القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي قالت هذا الأسبوع إنها وافقت على خطط عملياتية لشن هجوم في لبنان.

وقال وزير الطاقة إيلي كوهين الخميس إن الجيش يعمل مع سلطات الطاقة لضمان توفير الحماية للبنية التحتية الاستراتيجية للكهرباء في إسرائيل، التي قال إنها سترد بقوة على أي ضربة تتعرض لها.

والبنية التحتية للطاقة في لبنان مهترئة بالفعل بسبب سوء الإدارة والصراعات ومن بينها تلك الدائرة مع إسرائيل، على مدى عقود.

وتعرضت إسرائيل من قبل لتجربة مؤلمة في لبنان، فبعد غزوه عام 1982، ظلت القوات الإسرائيلية عالقة في إقامة منطقة عازلة لما يقرب من عقدين بعد الحرب التي شهدت ميلاد حزب الله.

ثم اندلعت حرب ثانية في عام 2006 بعد أن أسر حزب الله جنديين إسرائيليين، وتركت الجماعة اللبنانية المتحالفة مع إيران على بعد أميال من خط وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه الأمم المتحدة على نهر الليطاني وتعزيز قوتها بشكل مطرد.

لكن الضغوط السياسية زادت على نتنياهو مع بداية الصيف في ظل غياب أي بوادر على موعد عودة الحياة إلى طبيعتها بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على بداية الصراع في غزة.

وأصبحت عشرات البلدات الإسرائيلية مهجورة وباتت الشوارع خالية بعد إجلاء حوالي 60 ألف شخص إلى أماكن إقامة مؤقتة ولم يبق سوى المباني التي تتعرض أحيانا لقصف بالصواريخ. كما فر نحو 90 ألف شخص من جنوب لبنان.

وقالت ساريت زهافي، وهي مسؤولة سابقة في المخابرات العسكرية الإسرائيلية وتدير حاليا مركز أبحاث متخصصا في الحدود الشمالية لإسرائيل إنه “بعد الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لن يكون سوى عدد قليل من الذين غادروا منازلهم مستعدين للعودة في ظل تمركز حزب الله على الحدود” وأضافت “لم نفعل شيئا ضد التهديد على مدى 17 عاما والتعامل معه الآن سيتكلف ثمنا باهظا للغاية”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى