سياسة

أوكرانيا.. ضحية الصراع الدولي

خورشيد دلي


لا يمكن النظر إلى الأزمة الأوكرانية على أنها محض أزمة روسية – أوكرانية، وأن كانت في أحدى جوانبها، ناتجة عن توجه الأقاليم الشرقية لأوكرانيا إلى الانفصال عن الأخيرة.

 ورغم أهمية هذا الجانب في النزاع الروسي – الأوكراني إلا أن تفجر الأزمة، وتحولها إلى عملية عسكرية شاملة على كافة الأراضي الأوكرانية، يكشف الأبعاد الدولية لهذه الأزمة، التي جعلت في النهاية من أوكرانيا ضحية على مذبح مصالح الدول الكبرى، وتحديدا كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وبريطانيا من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة ثانية.

مقدمات تفجر الأزمة بدأت على وقع عاملين أساسيين: الأول – التلويح الغربي بضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي “الناتو” في إطار الترويج لحرية الدول في تحديد خياراتها السياسية، وقد كان هذا الخطاب بمثابة الطعم للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينيسكي في السعي الحميم لطلب عضوية الناتو، في الوقت الذي كان يدرك هو قبل غيره، أن هذا الأمر يشكل حساسية خاصة لروسيا، وقد يشعل الحرب بينهما، وهو ما عرف الغرب كيف يستغله إعلاميا واستخباراتيا، حتى وصل الأمر بالإدارة الأمريكية إلى تحديد أكثر من موعد لعملية عسكرية روسية ضد أوكرانيا، وهو ما حصل، وفي الأساس يهدف حلف الناتو من التوسع شرقا إلى تطويق روسيا، وإن لم ينجح في هدفه هذا في الحالة الأوكرانية، فالمطلوب استنزاف روسيا في أوكرانيا، بهدف أساسي هو منع إقامة تحالف روسي – صيني في إطار المواجهة الجارية مع الصين التي باتت تشكل أولوية قصوى للسياسة الأمريكية في المرحلة المقبلة.

الثاني – شكلت القمة التي عقدت بين الرئيس الصيني، شي جين بينج، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مطلع الشهر الماضي في العاصمة الصينية بكين، نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين البلدين أولا، وعلى صعيد المواجهة مع الولايات المتحدة والأطلسي ثانيا، إذ أن القمة أطلقت شعار تعاون بلا حدود بين البلدين، وأرست لخطوط طاقة جديدة بينهما، وأسست لبنى عسكرية وأمنية في المحيطين الهادئ الآسيوي، وهو ما شكل جرس إنذار لدى الإدارة الأمريكية، خاصة أن القمة كانت بمثابة ولادة تحالف جديد في مواجهة تحالف “أوكوس” الذي تشكل بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا في سبتمبر الماضي، ولعل هذه الخطوات التي تشي بولادة عالم متعدد الأقطاب، هو ما دفع بالأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش إلى التحذير خلال مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الأمن الدولي بات أكثر تعقيدا من مرحلة الحرب الباردة، ولعله كان يشير بذلك إلى احتمال نشوب حروب كبرى، كما يجري حاليا في أوكرانيا.

في الواقع، العاملان السابقان يقفان بشكل أساسي وراء تحول الأزمة الروسية – الأوكرانية إلى صراع مسلح، وإذ كانت المعركة العسكرية محسومة لصالح روسيا بسبب فارق موازين القوة مع أوكرانيا، فإن النصر العسكري الروسي قد لا يؤدي إلى نصر سياسي، خاصة أن هذا النصر قد لا يؤسس لتسوية سياسية مستقبلية في أوكرانيا بحكم تعقيدات الصراع أولا، والعوامل الداخلية للصراع ثانيا، فيما يبقى الأهم بالنسبة للغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، هو شل قدرات روسيا، والحد من دورها في مجال اعتماد أوروبا عليها بالطاقة، ومحاصرتها ماليا، بما يؤدي كل ذلك إلى انكفاء روسيا على الداخل على وقع تفاقم مشكلاتها الداخلية في المرحلة المقبلة.

من دون شك، كشفت الأزمة الأوكرانية عن سوء إدارة الدول الكبرى للأزمات الدولية، ولعل مفارقة كانت في الانسحاب الأمريكي الدراماتيكي من أفغانستان، مقابل الصراع بين روسيا و أوكرانيا التي باتت ضحية للصراع بين هذه الدول، تكشفان حقيقة سوء الإدارة الدولية للأزمات، وعجز المؤسسات الدولية “مجلس الأمن والأمم المتحدة” عن القيام بدورها لحفظ الأمن والسلام، وربما يستمر الوضع هكذا إلى حين ولادة واقع دولي جديد من نار الأزمة الأوكرانية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى