سياسة

أوروبا بين المِطرقة القطرية والسندان التركي


هل حان لأوروبا، القارة التي وصفها رؤساء أمريكا المتعاقبون بالعجوز، أن تصحو وتنفض عن أرجلها الغبار الذي لصق بها من جراء المؤامرات المتسمرة والمستقرة لجماعة الإخوان المسلمين، تلك التي عرفت طريقها إليها باكرًا جدا؟

الشاهد أن الاوربيين غير أبرياء مما يجري على أراضيهم، ففي زمن النازية استغل الزعيم اﻷلماني أدولف هتلر جماعة اﻹخوان المسلمين ليشكل منهم فَيْلقًا لمواجهة أعدائه عبر التلاعب بالدوجمائية الإخوانية الازدواجيةِ التوجهِ، حيث تنشد البر والتقوى مظهرًا ، والسلطة والقوة مخبرًا.

 لاحقًا، وفي زمن الحرب الباردة بين المعسكرَيْن الشرقي والغربي، تماهى الأوربيون إلى أبعد حد ومد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتم استخدام جماعات الإسلام السياسي كخنجر في خاصرة الاتحاد السوفييتي، وإن ارتد لاحقًا بكثير من الألم على الأمريكيين، لكنهم لا يقرؤون وإذا قرؤوا هذا الفصيل، فهم غير قادرين على الدخول إلى عمق أفئدتهم وحنايا صدورهم، وخائنات أعينهم.

ليس سرا أن بعض الدول اﻷوروبية، وتحت شعارات غير بريئة من نوعية حقوق اﻹنسان، وحرية الرأي والتعبير، أتاحت الفرصة عريضة جدا للكثير من اﻹرهابيين الملوثة أياديهم بالدماء في بلدانهم الأصلية، وقد أثبتت التجربة أن العهد الذي قطعه هؤلاء على أنفسهم، بأن لا يؤذوا أحدًا في الداخل لتلك الدول عهدًا زائفًا، فهم لا يقيمون ودا ولا يحفظون عهدًا.

ولعل الطامة الكبرى التي لحقت بأوروبا في العقدَيْن الأولَيْن من القرن الحادي والعشرين، تمثلت ولا تزال في رأس المال القطري المسموم الذي بات يتلاعب بمصائر وأقدار قارة بأكملها، لا سيما حين يصدر إليها اﻷصوات النشاز، ويرسم لوحة للإسلام والمسلمين عنوانها التشدد والتطرف، ما يوقع غبنًا كبيرًا على غالبية العالم اﻹسلامي سرا وجهرًا.

آخر التقارير اﻹخبارية التي نشرتها صحيفة “فولكس بلات” النمساوية، تشير إلى أن الدوحة ماضية قُدُمًا في زعزعة استقرار القارة اﻷوروبية، عبر إغداقها ملايين الدولارات على شبكة من اﻷصوليين اﻹسلامويين، ولا نقول المسلمين، المنتشرين في كافة ربوع أوروبا، ومستترين وراء جمعيات ومؤسسات أهلية وخدمية وثقافية، فيما الهدف الأكبر هو نشر أفكارهم المسمومة وتهديد أمن القارة اﻷوروبية.

 والمؤكد أن حصان طروادة في هذا السياق هو منظمة “قطر الخيرية”، وإن كان الاسم لا يتسق مع الطبيعة الوظيفية لها، إذ يحمل السم في العسل، والدليل على ذلك إنفاقها نحو 72 مليون يورو في عام واحد لتمويل 113 مسجدًا ومركزًا إسلاميا، يقوم عليها أعضاء نشطون منتمون لجماعة اﻹخوان المسلمين الموصومة باﻹرهاب في عدد من الدول العربية والأجنبية.

عدة علامات استفهام جذرية تستدعي الطرح والمناقشة، وفي المقدمة منها كيف غفلت أعين الأجهزة الرقابية اﻷوروبية عن هذا الخطر الداهم، والذي يحمل توجهًا ثيولوجيا يمكن أن يعود بأوروبا إلى زمن القرون الوسطى، من خلال إدماجها في الصراعات الدينية والفقهية، التي انفكت أوروبا من وثاقاتها قبل أربعة قرون؟

الثابت أن تراكم عوائد النفط والغاز عند القطريين، قد أغراهم بممارسة أدوار تفوق حجم الجزيرة الصغيرة، أو وضعها الديموغرافي، والتي ما عُرِف عنها يومًا قيادة فكرية أو إبداعات علمية يمكنها أن تكون منارًا أو مسارًا للبشرية، بل موت طائر محمول على شيكات بملايين الدولارات شرقًا وغربًا.

عبر الفوائض الريعية، استطاع القطريون، وفي ظل أوضاع مالية مضطربة للأوربيين اقتحام القلعة الأوربية التي عرفت التنوير وعاشت الاستنارة وتخلصت من الرداءات العقدية المكبلة للنفس والعقل، فقُدر لهم أن يستخدموا أموالهم في أوروبا، وفيما كانوا يفعلون هذا في العلن، كانت كتائبهم الإخوانية تتسرب إلى الجسد اﻷوروبي في السر.

في أوائل يوليو/ تموز الماضي كانت صحيفة “شتوتغارتر تسايتونج” الألمانية تكشف فصولًا جديدة عن الاختراقات القطرية للقارة الأوروبية وألمانيا في المقدمة منها، حيث تمول الدوحة هناك أكثر من 10 مؤسسات ومشاريع تابعة لتنظيم اﻹخوان المسلمين على الأراضي الألمانية.

في الشهر نفسه، بدا وكأن فرنسا بدورها تتحرك تجاه وقف الزحف القطري الإخواني ناحية بلاد الغال، فقد حذرَ تقرير لمجلس الشيوخ في فرنسا، أعدته لجنة تحقيق أنشِئت في نوفمبر 2019 بمبادرة من حزب الجمهوريين من أن “التطرف الإسلاموي”، في تزايد في عدد من المناطق في فرنسا، مشيرًا إلى ضرورة أخذ الحذر من 50 ألف عضو من اﻹخوان المسلمين، و40 ألفًا من السلفيين، والكارثة الكبرى في فرنسا، هي أن مؤيدي جماعات الإسلام السياسي، يسعون جاهدين إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا.

والسلطان المتوهم أردوغان يحاول التلاعب بنحو ثلاثة ملايين تركي في ألمانيا من زمن الحرب العالمية الثانية، وقد اكتسبوا خبرات عريضة في العمل السري، ناهيك عن أعداد مشابهة لهم في عدد من الدول اﻷوروبية.

هل هي ساعة استيقاظ أوروبا وحسمها؟

من المهم للغاية الإشارة إلى أن الإخوان وداعش والقاعدة وكافة جماعات الإرهاب العلني والسري، تعرف كيف تستغل الأوضاع المضطربة لأوروبا هذه الأيام، في سبيل تعميق حضورهم والاستعداد للقادم من وسط الضباب.

الأوروبيون في خطر لو يعلمون.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى