سياسة

أمريكا تخلي سفارتها بالخرطوم مع تصاعد القتال


أفادت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الخميس أنّ الولايات المتّحدة بصدد إرسال عسكريين إلى المنطقة تحسّبا لاحتمال إجلاء طاقم سفارتها في الخرطوم. وذلك في خضمّ معارك محتدمة في العاصمة السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وفي بيان صرح البنتاغون “نحن بصدد إرسال قوات إضافية إلى المنطقة لضمان أمن الموظفين الأميركيين في السفارة وتسهيل مغادرتهم المحتملة للسودان، في حال اقتضت الظروف ذلك”.

ولم يوضح البيان عديد هذه التعزيزات ولا الدولة التي سيتمركزون فيها، لكن الإعلان في حدّ ذاته يشير إلى تأزم الوضع في السودان، فالولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لا تتخذ مثل هذه الإجراءات إلا بعد تقدير خطورة الموقف وما اذا كان يستدعي القيام بعمليات اجلاء أم لا.  

لكنّ مسؤولا أميركياً كبيرا قال لاحقا إنّ العسكريين الأميركيين الإضافيين سيتمركزون في جيبوتي، الدولة الصغيرة المستقرة في منطقة القرن الأفريقي.

وتشهد الخرطوم منذ ستّة أيام معارك محتدمة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو (جميدتي). وأسفرت هذه المعارك حتى الآن عن مقتل أكثر من 300 مدني.

والخميس دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى هدنة “لمدة ثلاثة أيام على الأقل” في السودان بمناسبة عيد الفطر.

ولم يحدد غوتيريش موعدا لبدء وقف إطلاق النار. وتبدأ العطلة في السودان غدا الجمعة وتستمر لثلاثة أيام.

وقال إنه منذ اندلاع القتال بين القوات السودانية وقوات الدعم السريع يوم السبت الماضي، أصبحت العمليات الإنسانية “شبه مستحيلة” وتعرضت المخازن والمركبات وغيرها من أصول تقديم المساعدات الإنسانية للهجوم والنهب والمصادرة.

ولقي ثلاثة من العاملين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حتفهم وأصيب اثنان في اشتباكات يوم السبت في كبكابية في شمال دارفور.

وقال غوتيريش للصحفيين “يتعين إنهاء استهداف موظفي وأصول المساعدات الإنسانية… أشعر بقلق شديد إزاء أوضاع موظفي الأمم المتحدة، كثيرون منهم محاصرون في منازلهم في المناطق التي يدور بها الصراع”.

وللأمم المتحدة نحو أربعة آلاف موظف في السودان من بينهم 800 موظف دولي وقالت المنظمة الدولية إنه قبل اندلاع أعمال العنف، كان نحو 16 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، أي ثلث السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحفيين بعد اجتماعه مع رؤساء الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) وغيرها من المنظمات ذات الصلة.

وقال “كان هناك توافق شديد في الآراء على إدانة القتال الدائر في السودان والدعوة إلى وقف الأعمال العدائية”، مضيفا أن هدنة العيد لمدة ثلاثة أيام يتعين أن تمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار.

وقال “يتعين أن يتبع توقف القتال حوار جاد يسمح بمرحلة انتقالية ناجحة تبدأ بتعيين حكومة مدنية… يتعين وقف القتال فورا”.

وحثت وزارة الخارجية الأميركية اليوم الخميس طرفي الصراع في السودان على تمديد وقف إطلاق النار حتى نهاية عطلة عيد الفطر. وقالت إن واشنطن ترى أن وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة الذي أُعلن أمس الأربعاء صمد إلى حد كبير على الرغم من تجدد إطلاق النار الكثيف.

لكن إطلاق النار ودويّ الانفجارات تواصل الخميس في الخرطوم عشية عيد الفطر، فيما أكّد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتّاح البرهان رفضه “أيّ حديث في السياسة” مع حليفه السابق الذي أصبح عدوّه اللدود قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

وبينما يحاول المجتمع الدولي انتزاع وقف لإطلاق النار من قائدي الجيش وقوات الدعم السريع في نزاعهما، حذّر البرهان في حوار عبر الهاتف مع قناة الجزيرة من أنّه “لا خيار إلا الحسم العسكري” إذا لم تَعُد قوات الدعم السريع إلي مواقعها التي كانت ترابط فيها في ديسمبر الماضي.

وشدّد قائد الجيش في الوقت ذاته على رفضه أيّ حديث “مباشر” مع دقلو الملقّب بـ”حميدتي”، ملمّحا إلى أنّ الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع.

وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة. تسرع العائلات بالخروج إلى الطرق والفرار هربا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع.

وقال أحد النازحين الذين فروا من العاصمة بحثا عن مكان أكثر أمانا “إن رائحة الموت والجثث تخيّم على بعض أحياء وسط العاصمة”.

وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، تستمرّ الحياة بشكل طبيعي وتفتح المنازل لاستقبال النازحين الذين يصلون في حالة صدمة، بسياراتهم أو مشيا لساعات على الأقدام مع ارتفاع سعر البنزين إلى عشرة دولارات للتر الواحد في أحد أفقر بلدان العالم.

وللوصول إلى مكان آمن، خضع هؤلاء لأسئلة وتفتيش رجال متمركزين على نقاط مراقبة تابعة لقوات الدعم السريع وأخرى تابعة للجيش.

وكان عليهم خصوصا التقدم في مسيرهم وسط جثث على أطراف الطريق ومدرعات وآليات صغيرة متفحمة بعد احتراقها في المعارك بالأسلحة الثقيلة. وتجنب أخطر المناطق التي تتصاعد منها أعمدة الدخان الأسود الكثيفة.

ومنذ تحول النزاع على السلطة الكامن منذ أسابيع بين الفريقين إلى معركة ضارية السبت، يبدو الوضع ملتبسا للسودانيين البالغ عددهم 45 مليون نسمة. ولا يكفّ الطرفان عن إطلاق وعود بهدنات لم تتحقّق.

ودوّت الانفجارات مجدّدا الخميس في الخرطوم وفي الأُبيّض على بُعد 350 كيلومترا جنوب العاصمة. وفي الشوارع المليئة بالركام، من المستحيل معرفة من الذي يسيطر فعليا على مؤسسات البلاد.

ويطلق كلّ من الجانبين إعلانات عن انتصارات واتهامات للطرف الآخر. لكن لا أحد يستطيع التحقق ممّا يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية.

وذكر أطباء أنّ سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق المأهولة بالخرطوم، لا يتردّد في إلقاء قنابل على مستشفيات أحيانا.

وقالت نقابة أطباء السودان المستقلة إنه خلال خمسة أيام “توقف عن الخدمة سبعون بالمئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال”. إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.

واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها. وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.

ومنذ السبت في الخرطوم، استنفد عدد كبير من العائلات مؤنها الأخيرة وتتساءل متى ستتمكن شاحنات الإمداد من دخول المدينة.

وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال. ولم تعد الأمم المتحدة تحصي عمليات “النهب والهجمات” على مخزونها وموظفيها. وهي تدين “العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني”.

ووسط هذه الفوضى العارمة، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري صباح الخميس أنّ ثلاث طائرات وصلت الأربعاء من السودان. وعلى متنها غالبية العسكريين المصريين الذين كانوا في مهمة في السودان.

وشدّد المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري على “صحة وسلامة كافة العناصر المصرية. التي وصلت إلى أرض الوطن وكذلك المتواجدة بمكتب الدفاع بالسفارة المصرية بالخرطوم”.

وفرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثا عن ملاذ في تشاد المجاورة. وفقا لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى