أسئلة هجوم داعش على الحسكة السورية

خورشيد دلي


أسئلة كثيرة تُطرح بشأن الهجوم الذي قام به تنظيم داعش الإرهابي ضد سجن الصناعة في الحسكة شرقي سوريا.

فكل ما جرى يوحي بأن الهجوم كان مدروسا، وأُعدَّ له منذ مدة طويلة، إذ إن مشهد اقتحام السجن بعد تفجير سيارات مفخخة عند بواباته ومحيطه، ومن ثم هجوم خلايا نائمة اتخذت من محيط السجن منطلقا للهجوم، وبكميات كبيرة من الأسلحة، أوحى للمتابع بالمشاهد الأولى لظهور “داعش” بعد سيطرته على الموصل العراقية قبل أعوام، ومن هذه النقطة بالذات تُفتح نافذة الأسئلة: 

أين كانت قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش؟ ألم تلاحظ استخباراتها كل هذا النشاط المدبر لخلايا التنظيم؟ 

إذا كانت تعرف وسكتت حتى يقوم “داعش” بهجومه فتلك مصيبة، وإن لم تكن على علم بما كان يخطط له “داعش” فالمصيبة أكبر. 

وهناك أسئلة أخرى تُوجّه لقوات سوريا الديمقراطية، “قسد”، وتتعلق بالتدابير الأمنية الوقائية المسبقة في محيط السجن، الذي يقع في منطقة سكنية: 

هل كانت هذه الإجراءات والتدابير حول السجن كافية؟.. كيف وصلت كل هذه الأسلحة إلى داخل السجن؟.. وبماذا يُفسَّر وجود أجهزة اتصال بين المعتقلين من “داعش” داخل السجن والخلايا الموجودة في الخارج؟.. هل ما حصل له علاقة باختراقات أمنية؟

الثابت أن لا أجوبة واضحة عن هذه الأسئلة. “قسد” اتهمت فصائل مسلحة بالتورط في الهجوم.. الاتهامات طالت أيضا مخرجات اجتماع “أستانا” الأخير قبل نحو شهر، عندما وضعت هذه المخرجات كلَّ ما يجري في شمال شرقي سوريا “في خانة الإرهاب والتطرف”، دون أي إشارة إلى أهمية الحوار لإطلاق عملية سياسية هناك يمكن أن تسهم في وضع الأزمة السورية على سكة الحل، كما تقول إن ثمة “أجندة إقليمية تقف وراء هجوم تنظيم داعش الإرهابي، تتلخص في دفع الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة قوت سوريا الديمقراطية إلى الانهيار”.

مبررات ربما تفتقر إلى فهم جميع أبعاد وجوانب ما جرى، فـ”داعش” وبالتزامن مع الهجوم على السجن، شن هجمات عنيفة في ديالى العراقية، وأخرى على الجيش السوري في “دير الزور”، وهو ما يشير إلى تصميم التنظيم على العودة، بعد أن تحول من “مركزية زعيمه المقتول أبو بكر البغدادي” إلى العمل بـ”نهج الخلايا النائمة”، والثابت أن التنظيم يسعى بكل الوسائل للعودة إلى سدة المشهد بعد هزيمته المدوية في “الباغوز” قبل نحو ثلاث سنوات على يد “قسد” والتحالف الدولي.

إلى حين جلاء المشهد بشكل كامل، ثمة حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية جديدة لمحاربة “داعش”، إذ لا يُعقل استمرار تجمعات التنظيم الإرهابي على هذا النحو الخطر، سواء في السجون أو في المخيمات، “مخيم الهول مثلا يوجد فيه قرابة عشرة آلاف داعشي معتقل”، والأهم: لماذا ترفض الدول الأصلية لهؤلاء الإرهابيين استقبالهم خلال كل هذا الوقت؟.. ولماذا لا تجري محاكمات لهم؟ هل هذا الامتناع هو تهرب من المسؤولية أم استخفاف بخطر داعش؟ 

دون شك، يؤكد ما سبق حقيقة القول إن هؤلاء الدواعش يشكّلون قنابل موقوتة قد تنفجر في وجه الجميع.. من هنا، ينبغي القول إن ما بعد هجوم “داعش” على سجن في الحسكة السورية يجب أن يكون مختلفا عما سبقه، وإلا فإن الخطر سيتعاظم، إذ إن ما جرى أوحى للتنظيم ومُشغّليه بإمكانية قلب الأوضاع لصالح عودة “داعش” من جديد، وعليه فإن المطلوب أولا وأخيرا استراتيجية جديدة للتعامل مع بقاء جيوب التنظيم في سوريا والعراق والمنطقة عموما، استراتيجية تقوم على تكثيف الحرب على التنظيم، ومكافحة انتشار نفوذه، وهو ما يتطلب برامج تنفيذية، كي تكون الخطوات المقبلة فعالة وتحقق أهدافها، ومثل هذه الخطوات تتطلب استمرار عمل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الحرب ضد “داعش”، وتأسيس ما يشبه “بنك معلومات عالمي” عن “داعش” وخطر خلاياه المتنقلة والحية، خاصة في ضوء التقارير، التي أكدت انضمام عشرات من هذه العناصر إلى الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا وشرقها، والأهم من كل هذا المباشرة بإجراءات وخطوات قضائية وقانونية للتعامل مع مخلّفات “داعش”، لأن دون كل ذلك ستبقى الحواضن الاجتماعية والفكرية لـ”داعش” فاعلة، خاصة في ظل غياب الحل للأزمة السورية.

إن التهاون مع الإرهاب، سواء أكان إرهاب داعش أم مليشيات منتشرة ببعض بلدان المنطقة، لهو أخطر من الإرهاب نفسه.

Exit mobile version