سياسة

أزمة لبنان والمحاصصة الطائفية

خالد رستم


مرت الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروّع، الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020م، وتسبب في دمار أحياء بالعاصمة اللبنانية.

وحتى الآن لم يصل القضاء بعد إلى أي نتيجة حول من يتحمل مسؤولية حدوث الانفجار، والمؤشرات واضحة على أن الإهمال لعب دوراً كبيراً في انفجار مواد خطرة مخزنة عشوائياً في المرفأ، إذ أتى الانفجار على نصف العاصمة، وأودى بحياة أكثر من مائتي شخص، وخلّف عشرات الآلاف من الجرحى، فيما بدا أن المحاصصة الطائفية هي الناجي الوحيد من الانفجار، الذي كلف لبنان أكثر من خمسة عشر مليار دولار خسائر مباشرة.

ولم تنجح الضغوط الدولية، خصوصا تلك التي مارستها فرنسا، على الطبقة السياسية في لبنان لتسريع تأليف حكومة، اشترط المجتمع الدولي أن تكون من اختصاصيين يقومون بعمليات إصلاح جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.

وجاء اعتذار سعد الحريري عن عدم تشكيل حكومة لبنانية ليفاقم حالة الشلل السياسي، الذي يعمّق معاناة اللبنانيين يوماً بعد يوم، على وقع تدهور جنوني لقيمة الليرة وأزمة وقود ودواء وساعات تقنين لتيار الكهرباء في دولة تعيش واحدة بين أشد ثلاث أزمات يشهدها العالم منذ عام 1850م، بحسب ترجيح البنك الدولي.

ولم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ قرابة العام، حين استقالت حكومة حسان دياب، وفي وقت تعاني البلاد أزمات متلاحقة وعنيفة، شهدت الساحات اللبنانية في طرابلس وبيروت العاصمة ومنطقة عالية بجبل لبنان وفي البقاع تحركات شعبية، تطورت في وقت سابق إلى مواجهات بين المحتجين والأمن، وتخللها إطلاق أعيرة نارية وتراشق بالحجارة وإلقاء مفرقعات، ما أسفر عن إصابة العشرات من قوات الأمن والمتظاهرين على السواء.

ويحاول المجتمع المدني في المدن اللبنانية الكبرى التعامل مع هذه التظاهرات ومجاراة مطالبها، وهي احتجاجات منتشرة في طرابلس وعكار وصور وزحلة وعالية، لتنهي المركزية التاريخية، التي دائما ما مارستها بيروت العاصمة في تحديد إيقاع الحياة السياسية اللبنانية.

المجتمع المدني، بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1989م باتفاق الطائف، نجح في تنظيم حملات شعبية ترتكز إلى قضايا المجتمع اللبناني الأساسية، ومنها إزالة الهوية الطائفية عن بطاقات التعريف، عدا عن تشريعات قضائية في الحياة الاجتماعية والسعي وراء السلطة السياسية لإحداث تغيير جذري.

وسبق أن أعلن الثنائي الشيعي، مليشيا “حزب الله” الإرهابي وحركة “أمل”، عدم المشاركة في الحكومة اللبنانية المقبلة، ما يعقّد الجهود المبذولة لإعلانها، وحينها قال رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي: “المشكلة ليست مع الفرنسيين، بل المشكلة داخلية ومن الداخل”، مطلقا عنوانا واحدا للحكومة المقبلة، وهو “الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي، والفيتو على وزارات، والاستقواء بالخارج”.

وأضاف “بري” في بيانه: “أبلغنا الحريري، رئيس الحكومة المكلف السابق، عدم رغبتنا في المشاركة على هذه الأسس في الحكومة، وأبلغناه استعدادنا للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم”.

وينوي “ميقاتي”، المكلف الجديد بتشكيل الحكومة اللبنانية، الانطلاق في مشاوراته مع الرئيس ميشال عون من النقطة التي توقف عندها “الحريري”، لكن لا توجد مؤشرات على نية “عون” إدخال تعديلات جوهرية على موقفه من طريقة تشكيل الحكومة ومن برنامج عملها، ما يعني أنه لا توجد ضمانة بتوافر عناصر تشكيل الحكومة أصلا.

وأوضح “ميقاتي”، في مؤتمر صحفي مقتضب عقده في قصر “بعبدا” ببيروت، أنه لا يملك عصا سحرية، وأنه يعوّل على تضافر الجهود للنجاح في مهمته لإخماد الحريق المتمدد في لبنان.

وحسب الميثاق الوطني، فإن رئاسة مجلس النواب اللبناني للطائفة الشيعية، وحالياً يرأس مجلس النواب نبيه بري، قائد حركة أمل، منذ عام 1992م، أما منصب نائب رئيس مجلس النواب يكون لطائفة الروم الأرثوذكس، ويشغله حاليا إيلي الفرزلي، الذي يتولى هذا المنصب منذ انتخابات عام 2001م.

لذا، وبناء على هذه الحصص المحسومة، فليست هناك عوائق سياسية فعلية تمنع تشكيل الحكومة اللبنانية، فلا خلافات معلنة حول الحصص والأشخاص، ومن يكون أكثر ولاءً وتمثيلاً لمصالح حزبه، لكن المؤشرات لا تبشر بالوصول إلى توافق جميع الأحزاب وممثلي الطوائف، التي لا تزال على حالها من حيث آلية التسمية وتوزيع الحقائب الوزارية.

وأي شخص يتقدم لمنصب مخصص للطائفة السنية يعرّض نفسه لهجمات سياسية شرسة ويحرم نفسه من غطاء الطائفة في أي مواجهة سياسية قد يضطر إلى خوضها، وقد يكون بلا مساندة طائفية من الناحية السياسية.

أما منصب رئاسة الحكومة، فإن من يتسلمه الآن يضع نفسه وسط أسوأ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية ومعيشية عصفت بالبلاد، ولو حتى توفر الدعم السياسي له من الداخل أو من الهيئات الدولية، بغية وقف انهيار لبنان، سيكون محط تراشق سياسي واستهداف طائفي وانتقادات لاذعة من جميع اللبنانيين، ما يجعل لبنان يستمر في طريقه بعيدا عن التماسك.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى