سياسة

أزمة سوريا على أبواب مرحلة جديدة

خورشيد دلي


بدأت الحرب الروسية-الأكرانية تخيم بتداعياتها على الأزمة السورية بعد سنوات من مراوحتها مكانها.

إذ على وقع هذه الحرب بدأنا نشهد تحولات وتطورات وتغيرات، تنذر بانتقال هذه الأزمة إلى مرحلة شديدة التعقيد، ولعل ما يزيد المخاوف من هذه المرحلة هو تحول سوريا إلى ساحة مفتوحة لاصطدام الأجندات المحلية والإقليمية والدولية مع ضعف آليات الحل السياسي، بما يعني الانفتاح على المجهول، وسط تفاقم معاناة السوريين بسبب الأزمات المعيشية، وتكريس واقع الانقسام الحاصل بحكم التطورات التي شهدتها هذه الأزمة خلال العقد الماضي.

فلم يعد يخفى على أحد أن سوريا بحكم هذه التطورات باتت مقسمة فعليا إلى ثلاث مناطق أساسية، فإلى جانب المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية وحليفيها الروسي والإيراني، هناك منطقة شرق الفرات، الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية التي تحظى بدعم من التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ومنطقة الشمال، الواقعة تحت سيطرة المجموعات والفصائل المسلحة المرتبطة بتركيا.

وقد تشكّلت في هذه المناطق معطياتٌ على الصُّعد الإدارية والأمنية والتنظيمية، ومع الزمن بات التباعد بين هذه المناطق، بفعل عوامل عديدة، واقعا ملموسا في كل الاتجاهات.

السؤال الأساسي هنا: كيف أثرت الحرب الروسية-الأوكرانية على الأزمة السورية؟

في الواقع، لا بد للمتابع أن يرى جملة من التداعيات التي يمكن تلخيصها في النقاط الأساسية التالية:

1-انهيار طريقة إدارة الصراع على الأزمة السورية بين الدول المعنية بهذه الأزمة، فالتفاهمات الروسية-الإسرائيلية، التي نظمت الحركة في الأجواء السورية طوال السنوات الماضية ومنعت حصول صدامات كبرى على وقع القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا، تبدو أمام جملة إشكاليات قد تُوتّر العلاقات بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، ولعل ما قد يخرج هذا التوتر إلى العلن هو الأزمة الأوكرانية، في ضوء اعتقاد موسكو بأن إسرائيل اصطفت إلى جانب أوكرانيا بعد أشهر من محاولة إظهارها الحياد والوساطة بين الطرفين.

كذلك فإن التفاهمات الأمريكية-الروسية في سوريا تبدو أمام تحديات كثيرة، رغم محاولة الطرفين حتى الآن عدم إظهار مثل هذا الأمر.

2- زيادة وتيرة الحديث عن سحب روسيا قواتها من مناطق سورية رغم عدم إعلانها ذلك رسميا، والثابت هنا أن روسيا لا تملك ترف بقاء قواتها في الخارج طويلا مع إطالة الحرب مع أوكرانيا، وتحوُّل هذه الحرب إلى حرب مع الحلف الأطلسي في العمق، والثابت أن أي انسحاب روسي من مناطق سورية سيصب في صالح إيران، إذ إن ذلك سيتيح لها مزيدا من السيطرة على الوضع السوري من خلال الإسراع بملء الفراغ، الذي سيحدثه هذا الانسحاب، وفي الوقت نفسه، فإن تراجع الدور الروسي في سوريا لصالح إيران يفتح الأبواب أمام التصعيد بين إسرائيل وإيران ومليشياتها في جنوب سوريا من جهة، وبين هذه المجموعات وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي في شرق سوريا من جهة ثانية، كما أنه يزيد من الصراع الإقليمي بين إيران وتركيا على الشمال السوري من جهة ثالثة.

3- أن المتغير السابق سيكون له تداعيات على محاولات الانفتاح العربي على سوريا، لا سيما الأردن، التي أعلن ملكها صراحة عن مخاوفه من تصعيد محتمل على حدود بلاده مع سوريا بسبب الفراغ الذي ستتركة روسيا هناك لصالح إيران، ومثل هذا المتغير لا يقتصر على الأردن، التي شهدت علاقاتها تحسنا ملحوظا مع سوريا في الفترة الأخيرة، بل ربما يطال الجهود العربية الهادفة إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومحاولة ترتيب العلاقات العربية معها، في إطار قناعة عامة بأهمية الدور العربي في إعادة التوازن إلى الأزمة السورية ودفعها نحو الحل السياسي، وتقديم الدعم للشعب السوري، الذي بات يعاني أزماتٍ معيشية قصوى.

4- أن مجمل التحولات السابقة ستؤثر على وتيرة الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في البادية السورية، خاصة أن هذه الحرب كانت تتم من الجو من قبل الطائرت الروسية، كما أن “داعش” قد يجد في صدام الأجندات الإقليمية والدولية على الساحة السورية فرصة للعودة مجددا بعد الضربات التي تلقاها في السنوات الماضية، ولعله بدأ يسير في هذا الاتجاه في ظل الهجمات والمظاهر والاستعراضات العسكرية التي يقوم بها مؤخرا في البادية السورية.

5- في الحديث عن انتقال الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة على وقع تداعيات الأزمة الأوكرانية، لا بد من النظر إلى الموقف التركي، الذي يرى أن سياسته ثابتة في قضية منع حصول الأكراد في سوريا على اعتراف وحقوق تحقق لهم هويتهم القومية، كما أن تركيا، التي تحرص على عدم استعداء روسيا خلال أزمتها مع أوكرانيا، تسعى إلى الاستثمار في التطورات المتعلقة بهذه الأزمة لتحقيق جملة أهداف، كما الحال في اشتراطها الموافقة على عضوية السويد وفنلندا في عضوية حلف الناتو بتعاون الدولتين معها ضد “حزب العمال الكردستاني”، المصنف في قائمة الإرهاب من قبل العديد من الدول، وكذلك في طرح تركيا خطط لإسكان أكثر من مليون لاجئ سوري في المناطق السورية الحدودية مع تركيا وإقامة منطقة آمنة هناك، والتهديد بعملية عسكرية جديدة، الأمر الذي يضع الشمال السوري أمام خيار التصعيد العسكري بعد سنوات من الهدوء النسبي.
من الواضح أن الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة على وقع تداعيات الأزمة الأوكرانية، مرحلة نشهد فيها ضربا للتفاهمات التي كانت تعمل بها الدول المعنية بالأزمة السورية خلال السنوات الماضية، وهو ما يزيد من خطر التصعيد والصدام، ويعمّق معاناة السوريين في كل الاتجاهات، في ظل الانهيار الاقتصادي جراء الحرب، وصعوبة الحصول على رغيف الخبز، وسط تحذيرات من خطر المجاعة في ظل الجفاف والانخفاض الحاد في محصول القمح، ونقص الغذاء… وغيرها من الضروارت الحياتية اليومية التي باتت تشكل أكبر تحدٍّ للسوريين.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى