سياسة

وغابت الأزمة السورية عن خطاب بايدن.. لماذا؟


اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن مخاطبة العالم حول ملامح سياسة إدارته في العالم من مبنى وزارة الخارجية الأمريكية.

 وهي سابقة توقف عندها الكثير من المتابعين للشأن الأمريكي، علماً بأن رمزية هذا المكان تعتبر دليلاً واضحاً على أن الدبلوماسية هي الخيار الأمثل للرئيس الجديد.

وتجنب بايدن، في خطابه الخارجي الأول، ذكر الأزمة السورية، التي تمثل نكبة لا مثيل لها، في بلد عربي متخم بالصراعات والحروب البينية والاقتتال الداخلي الذي أهلك الحرث والنسل، وجعل نصف سكان سوريا لاجئين أو نازحين داخل بلدهم و خارجه.

ويتوجس السوريون من هذا الموقف الأمريكي الغامض، لا سيما وأن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لم تمتلك على مدى سنوات حكمها خطة واضحة حيال سوريا، وعكفت على إدارة الصراع بدلاً من حسمه أو حتى إجبار الأطراف على الدخول في مفاوضات جدية تفضي في نهاية المطاف إلى حل سياسي عادل وشامل.

والقلق الذي يساور البعض من هذا التطور الأمريكي الخطير، مرده إلى مقارنة “السياسة البايدنية” بسياسة عرابه وصديقه المقرب الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي دعم التحركات المعارضة للدولة السورية معنوياً بتصريحات عامة حيناً وضبابية في أحيان أخرى، أدت في المحصلة إلى وصول الأزمة إلى هذه المرحلة.

ولعل انتظار صناع القرار في البيت الأبيض لرؤية شاملة حول سوريا، دفعهم إلى نصح بايدن بإسقاط سوريا من معادلات خطابه ريثما تنضج تلك الرؤية المنتظرة، والتي من المفترض أن يكون معنياً بها تحديداً، منسق السياسة الأمريكية الجديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكورك، وهو الدبلوماسي الأمريكي المخضرم والعارف بكل تفاصيل المشهد السوري على الرغم من كل التعقيدات.

وأما إسرائيل التي لم تسمح لإيران بعد بتنفس الصعداء في سوريا، ودأبت على تكثيف ضرباتها الجوية على معسكرات مليشيات إيرانية في سوريا خصوصاً في الآونة الأخيرة، فإنها تستعد لإيفاد رئيس الموساد كوهين مجدداً إلى واشنطن، بغية إطلاع الجانب الأمريكي على هدف تل أبيب المنشود في سوريا، ألا وهو حرمان طهران من التموضع على حدودها الشمالية، وطرد جميع العناصر المسلحة الإيرانية في سوريا بأسرع وقت ممكن.

وفي الشق السياسي، يدرك الأمريكان أن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف شبه معطلة، والخلاف بين وفد المعارضة ووفد الحكومة يلقي بظلاله على جدول أعمال أي جلسة، وهذا ما دفع النرويجي جير بيدرسون المبعوث الأممي لسوريا إلى دق ناقوس الخطر قبل أسبوع من خلال قوله: الاجتماعات الأخيرة داخل اللجنة مخيبة للآمال.

وهيئة المفاوضات السورية التي تعيش يوميات حروب الاستبدال والبيانات المضادة بين مكوناتها، ليست بأفضل حال من اللجنة الدستورية التي انبثقت عنها، ويخيم مصطلح فقدان الشرعية والاتهامات بين المجتمعين افتراضياً، نتيجة الاستقطاب الحاصل وبقوة بين مشروع عربي يجتهد في وضع إطار زمني للحل، ومشاريع أخرى دخيلة يتبناها طرف معادٍ لاستقرار سوريا ووحدة أرضها.

وبث روح الأمل والتفاؤل في نفوس السوريين تجاه بلدهم وما ستؤول إليه الأوضاع أمر شبه مستحيل، فالخرق لم يتسع على الراتق فحسب، بل إن وطأة المعاناة الاقتصادية للسوريين في كل مكان من وطنهم، جعلتهم يشككون حتى في بقاء هذا الكيان العربي متماسكاً أو قابلاً للحياة مستقبلاً، كون القوى المحتلة لسوريا من دول ومليشيات، هي التي تهيمن على القرار السيادي السوري، وتصادر أي بادرة حسن نية يعتزم أي طرف محلي التحدث عنها أو عرضها.

ليبقى السؤال الأهم في سوريا: هل تجاوز رئيس أقوى دولة في العالم ذكر سوريا، لأنه يعدها وأزمتها المستعصية، تفصيلاً سيتم تناوله ضمن بنود أي صفقة مقبلة مع نظام إيران التواق للحوار مع واشنطن بحلتها الجديدة، وربما تقديم الهدايا الثمينة لاحقاً على حساب السوريين ونكبتهم؟

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى