تحقيقات

محمد السادس.. ملك الحكمة وصانع السلام في زمن الأزمات


بعد يوم 31 أكتوبر 2025، الذي يصادف بعد ستة أيام الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفّرة، وبعد الخطاب الاستثنائي لجلالة الملك محمد السادس، ملك الحكمة والسلام. الذي أعلن فيه أن وقت المغرب الموحّد من طنجة إلى الكويرة قد حان، وبعدما دعا القرار الأممي جميع الأطراف إلى الانخراط في المناقشات من دون شروط مسبقة، على أساس مبادرة الحكم الذاتي المغربية. بهدف التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ نهائيٍّ ومقبول من الطرفين، مشدّداً على أن مخطط الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتطبيق، ومشجعاً الأطراف على تقديم أفكارٍ تدعم التوصل إلى حلٍّ نهائيٍّ مقبولٍ من الطرفين، لن ينسى العالم تشبّث المغاربة بكل شبرٍ من أرضهم على مرّ الأزمان. كما تأكّد للجميع، قولاً وفعلاً، أنهم جميعاً، صغيرهم وكبيرهم، على قولٍ وخطى عاهلهم، نصره الله ودام له التأييد، حين قال: “المغرب لن يتطاول عليه أحد في حدوده التاريخية”.

جاء القرار الأممي التاريخي تتويجاً لمسارٍ دبلوماسيٍّ رفيع المستوى، يقوده الملك محمد السادس بحكمةٍ وبعد نظرٍ ويدٍ ممدودة. حيث نجح في صياغة الدرس المغربي عبر ترسيخ المقاربة المغربية لقضية الصحراء على الساحة الدولية، بكسب ثقة القوى الكبرى المؤثرة في صناعة القرار العالمي. وإقناعها بعدالة ووجاهة الموقف المغربي ومصداقية حلّ الحكم الذاتي.

لن ينسى الجزائريون أو المغاربة أبداً دعوة المغرب الصريحة لجارته الجزائر إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ سنة 1994، عندما أوضح بلاغٌ لوزارة الخارجية المغربية. بالإضافة إلى ذلك، أن المغرب يجدّد التزامه الصادق بالعمل مع جاره الشقيق الجزائر على تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين، وإحياء التعاون المشترك في مختلف جوانبه. كما اقترحت الدبلوماسية المغربية أكثر من مرة عقد لقاءٍ مشتركٍ بين وزيري الشؤون الخارجية ووزيري الداخلية في البلدين. قصد استعراض واقع العلاقات الثنائية وتدارس القضايا العالقة، والاتفاق حول آليات تحقيق انطلاقةٍ فعليةٍ ودائمةٍ للعلاقات بين البلدين الشقيقين.

كما أن المغاربة لم ينسوا أبداً التصريحات الجزائرية المؤيّدة للحق المغربي في الصحراء، ومنها تصريح الرئيس الجزائري هواري بومدين في مؤتمر القمة العربي بالرباط في أكتوبر/تشرين الأول 1974. حين أكد أن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبرٍ من الأرض.

والأمر نفسه بالنسبة للجزائريين، فهم كذلك يُقدّرون أن المغرب طالب فقط بحدوده كما كانت قبل مجيء الاستعمار، والتي تمثّل معاهدة لالة مغنية الموقّعة في 18 مارس 1845 إطاراً مرجعياً لها. وهي المعاهدة التي وقّعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته في معركة إيسلي في 14 أغسطس/اب 1844، بسبب دعمه لثورة الأمير عبدالقادر الجزائري.

وقد نصّت المعاهدة على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب وتركيا لتصبح هي الحدود بين المغرب والجزائر، التي كانت قبل ذلك إحدى الإيالات العثمانية منذ القرن السادس عشر، إلى أن احتلتها فرنسا سنة 1830 في إطار سياستها الاستعمارية.

ولن ينسى المغاربة، ملكاً وشعباً، أن هذا الانتصار بعد القرار الأممي التاريخي تزامن مع وجود توجّهٍ استراتيجي داخل الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب. نحو الدفع باتجاه إبرام اتفاق سلامٍ يُنهي حالة القطيعة بين المغرب والجزائر، ويعزّز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا. التي تحتل مكانةً متقدمة وأهميةً جيوسياسية كبرى في الاستراتيجية الأمريكية.

ومما لا شك فيه أن الجزائريين الأحرار قد تاقوا إلى إنهاء هذا الصراع الإقليمي، كما تاق المغاربة أيضاً إلى ذلك، لأنهم يعرفون جيداً أنه ناتج عن مصالح خفية أفرزتها الحرب الباردة. التي شكّل فيها توظيف الصراع حول الصحراء المغربية محوراً رئيسياً للتحكم في الممرات المائية وتشكيل الأحلاف العسكرية. وزرع التفرقة بين دول الغرب الإسلامي وشرقه، أو لتحقيق مصالح أفرادٍ أرادوا استغلال الخلاف لتحقيق أغراضٍ شخصيةٍ والاغتناء من وراء المساعدات الإنسانية الدولية.

لقد انتظر الشعبان الشقيقان طويلاً ليصبحا، كما عهدهم التاريخ، ينتقلان بحريةٍ تامة. لا يفصل بينهما أدنى حاجز، خصوصاً أن التاريخ يشهد بأن الحركات السكانية بين المملكة المغربية والجزائر كان لها أبلغ الأثر في التلاقح والامتزاج والتأثير والتأثر.

فالجزائريون يعرفون تمام المعرفة أن المغرب كان دوماً، ولا يزال، محطّ استقطابٍ للأفراد والجماعات من الجزائر. وقد سجّل التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز أروع الصفحات في التآزر المغربي الجزائري. عندما لم يكتفِ أهل المغرب بالتعبير عن عواطفهم الجيّاشة عند استقبالهم للأسر الجزائرية بعد هجرتها الكبرى إثر الاحتلال الفرنسي لبلادهم، بل قدّموا لهم المساعدات المادية والمعنوية وحتى العسكرية. وأحسنوا إليهم وساعدوهم على الاستقرار والاستيطان في المغرب.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى