سياسة

لماذا يستبعد المحللون الفلسطينيون تنفيذ التفاهمات قمة شرم الشيخ؟


استضافت شرم الشيخ قمة أمنية خماسية من مسؤولين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى، من مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة.

حيث استبعد خبراء فلسطينيون في أحاديث مع الأناضول، إمكانية تنفيذ إسرائيل التزامات الاجتماع، لعدم التزامها بالتفاهمات السابقة واستمرارها بالبناء الاستيطاني وعمليات اقتحام المدن وتنفيذ اغتيالات.

وجائت هذه القمة في وقت تصاعد فيه التوتر بشكل حاد في أنحاء الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر الأخيرة. وسط مداهمات عسكرية إسرائيلية متكررة على البلدات الفلسطينية.

قمة أمنية

وفي الختام، أصدر المشاركون بيانا خلص إلى ضرورة التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية، مع الاتفاق على عقد لقاء جديد بالمدينة ذاتها، في أبريل المقبل.

وتضمن البيان الاتفاق على 10 التزامات بشأن التهدئة والسعي لإحياء عملية السلام المجمدة منذ 2014، من بينها “تعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.

وأضاف البيان أن المشاركين أقروا ضرورة “السعي من أجل اتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق سياسية والتعاطي مع القضايا العالقة (دون تحديدها) عن طريق الحوار المباشر”.

واتفقوا على “استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف، والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، تحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني مع رفع هاتين الآليتين للاجتماع المقبل”.

وقبل يوم من الاجتماع، طالبت فصائل فلسطينية في بيانات منفصلة السلطة الوطنية بعدم المشاركة فيه، من بينها حركة “حماس”، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب الشعب.

واتفقت البيانات على رفض مشاركة السلطة في المفاوضات بحضور ممثل لإسرائيل التي تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني، كما تستغل مثل تلك الاجتماعات لشن مزيد من العدوان بحقه.

ومنذ بداية العام 2023، قتل نحو 90 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية، بحسب معطيات فلسطينية، فيما قتل 14 إسرائيليا في هجمات منفصلة خلال الفترة نفسها.

لا ينهي التوتر

يرى الخبير السياسي الفلسطيني جهاد حرب، أن “البعد الأمني قد يعمل على تخفيف التوتر، لكنه لن ينهيه”، مؤكدا أنه “لا إمكانية لتطبيق التفاهمات، في ظل حكومة يمينية إسرائيلية”، في إشارة إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقال حرب للأناضول، إن “الحكومة الإسرائيلية تخلت عن تلك التفاهمات على الفور، عبر تصريحات لمسؤولين فيها، أبرزها لنتنياهو الذي أكد استمرار حكومته ملاحقة أي فلسطيني يعتدي على الإسرائيليين”.

كما تعهد نتنياهو بملاحقة الفلسطينيين متهما إياهم بالإرهاب، وقال إن “كل الذين يحاولون إيذاء مواطني إسرائيل، سيتم الوصول إليهم. نصل إلى الإرهابيين ومهندسي الإرهاب في كل مكان”.

وفي اليوم نفسه، قال وزير المالية الإسرائيلي زعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إنه “لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، بل هو اختراع لم يتجاوز عمره 100 عام”، على حد وصفه.

وأضاف حرب: “إذن، فالمسألة (تنفيذ التفاهمات) تتعلق بعدم التزام إسرائيل، أو احترامها للاتفاقيات الموقعة، والتجربة السابقة على مدار السنوات الأخيرة تثبت ذلك”.

ولفت إلى أن “السلطة الفلسطينية غير قادرة على تقييد حركة أو إبطال أي عملية (هجوم) قد يقدم عليها الفلسطينيين، كونها تنفذ خارج منطقة سيطرتها الأمنية، في مناطق (ج)، والقدس، والداخل (الفلسطيني)، وهي مناطق تسيطر عليها إسرائيل”.

وصنّفت اتفاقية “أوسلو 2” لعام 1995 أراضي الضفة 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، و”ج” لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.

وتابع حرب: “إسرائيل ماضية في سياسة البناء الاستيطاني والاقتحامات والاعتداءات، وشن المستوطنين الهجمات على الفلسطينيين”، مؤكدا أن “إسرائيل المسبب للتوترات، فكل تلك الجرائم سببها الاحتلال”.

وشدد على أن “الشعب الفلسطيني يريد التخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ولا يريد إجراءات اقتصادية وأمنية قد تخفف من التوتر ولا تزيل السبب الرئيسي وهو الاحتلال”.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن “الأساس هو الأفق السياسي، فما لم يكن هناك نظرة تفاؤلية لدى الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال في المدى المنظور، تبقى مسألة العنف قائمة ومتجددة”.

الانتقاء الإسرائيلي

مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس الفلسطينية أحمد رفيق عوض، يرى أن “إمكانية تنفيذ التفاهمات قد تكون منعدمة، لتعدد صناع القرار بحكومة إسرائيل المشكلة من أحزاب يمين ويمين متطرف يتحكمون بمفاصل الحكم”.

وقال عوض للأناضول، إن “تفاهمات شرم الشيخ وقبلها العقبة، إذا ما تركت لإسرائيل، فإنها تفسرها وتطبقها من منظورها، فتطبق ما تريد وتنتقي منها ما يتماشى مع سياستها”.

وفي 26 فبراير الماضي عقدت الأطراف ذاتها اجتماعا بمدينة العقبة جنوبي الأردن، الذي تقرر خلاله عقد اجتماع شرم الشيخ، وسط استمرار المواجهات والاقتحامات الإسرائيلية والتنديدات العربية المستمرة ضدها.

وأضاف عوض أن “البيان الختامي (الصادر في شرم الشيخ) لم يجب على المخاوف الفلسطينية أو يرد على الأسئلة الهامة، وهي هل يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن قتل الفلسطينيين والمصادرة (للمنازل) وإنكار التسوية؟”.

وأكد أن “إبقاء الأمر أمني لا يؤدي إلى نتائج، فالأصل أن يكون أفق سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال”.

وأرجع السبب إلى أن “واشنطن تدعم وتشرعن الاحتلال، وموازنتها بين عمليات الفلسطينيين وعنف المستوطنين خطأ، لذا فلا دور حقيقي للمشاركين بالقمة التي يجب أن ترعى وتراقب (الأوضاع في فلسطين)”.

وشدد في ختام حديثه على أن “‘إسرائيل تروج أن شهر رمضان شهر دموي، لكي ترتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، بدعوى محاربة الإرهاب”.

وفي 6 مارس/آذار الجاري أوعز وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بمواصلة هدم منازل فلسطينيين بالقدس خلال رمضان الذي يبدأ الخميس 23 مارس.

وفي اليوم نفسه، أشارت هيئة البث الإسرائيلية، إلى تدريب كتيبة في مدينة اللد (وسط)، لتكون “بمثابة فرقة حماية خاصة، كجزء من استعداد الشرطة لاضطرابات محتملة خلال شهر رمضان الوشيك”.

فرص ضيقة

أما مدير مركز يبوس للدارسات (فلسطيني خاص) سليمان بشارات، فيرى أن “نافذة الفرص أمام تنفيذ مخرجات قمة شرم الشيخ ضيقة جدا، وذلك نتاج مجموعة من العوامل”.

وأوضح بشارات، للأناضول، أن “العامل الأول هو استمرارية التهديد الإسرائيلي الميداني شبه اليومي عبر عمليات استعراض واغتيال مباشرة من قواتها خاصة بمدن فلسطين فتعمل على إثارة الشارع وخلق تحد ورد فعل”.

وأضاف أن التهديد الإسرائيلي يتسبب في “عدم قدرة ضبط السلوك اليومي للمستوطنين في شوارع الضفة، ما يعني تهديد المواطنين الفلسطينيين خلال العبور من الشوارع الرئيسية بين المحافظات”.

العامل الثاني، “مرتبط بالفجوة بين الشارع الفلسطيني وتحرك القيادة السياسية، فلا توافق وانسجام بينهما، لأنه لا يوجد قناعة أن الاحتلال سيمنح شيئا للفلسطينيين دون مقابل على حساب البعد الوطني والحقوق”، وفق بشارات.

ويتمثل العامل الثالث في أن “الرؤية التي تقوم عليها مخرجات اللقاءات (بشرم الشيخ) ضمن الإطار الأمني فقط وليس السياسي، وهذا يشكل مخاوف من إمكانية وقوع تصادم فلسطيني داخلي نتاج الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين”.

وأوضح بشارات، أن مخاوف التصادم الفلسطيني الداخلي بسبب الضغط الإسرائيلي، سيكون “محفزا أكبر أمام المواجهة مع الاحتلال، للهروب من الصدام الداخلي”.

وأشار إلى أن العامل الرابع، يتعلق بالميدان، إذ أن “تطورات الميدان اليومية التي تتحكم أكثر في أي مواقف، وهذا خاضع لظروف خارج إطار الترتيبات السياسية والأمنية”.

ليختتم الباحث الفلسطيني حديثه بالتأكيد أنه في الميدان “يمكن لوقوع أي حدث أن يعيد خلط الأوراق بشكل سريع، لتتطور الحالة بناء عليه إلى المواجهة بديلا عن الاستقرار”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى