لتطبيع العلاقات مع دمشق.. الرياض تبذل جهودا كبيرة


في أول زيارة رسمية سعودية إلى سوريا منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سوريا قبل 12 عاماً وفي خضم الجهود لاعادة دمشق لمحيطها العربي استقبل الرئيس السوري بشار الاسد وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان الثلاثاء في دمشق، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء السورية سانا.

وصرحت الرئاسة السورية في بيان على صفحته الرسمية بفيسبوك إن الرئيس بشار الاسد بحث مع ضيفه الأمير فيصل بن فرحان “العلاقات بين البلدين وملفات أخرى سياسية، عربية ودولية”.

وأشارت كذلك إلى أن “التعاون الثنائي بين سوريا والمملكة كان حاضرا في المحادثات بما يصب في مصلحة البلدين والشعبين”.

وذكر بيان الرئاسة السورية أن وزير الخارجية السعودي نقل للرئيس الأسد “تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وتمنياتهما للشعب السوري بالمزيد من الأمن والاستقرار والتقدم”.

ولفت الوزير السعودي إلى أن “المرحلة القادمة تقتضي أن تعود العلاقة بين سورية وإخوتها من الدول العربية إلى حالتها السليمة. وأن يعود دور سوريا عربيا وإقليميا أفضل مما كان عليه من قبل”.

كما أكد على أن دعم السعودية لسوريا بما من شأنه أن يحفظ وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها وتهيئة الوضع بما يساعد في عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم.

وأضاف البيان أن الرئيس السوري “حمّل الأمير فيصل بن فرحان تحياته لخادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي العهد وللشعب السعودي الشقيق”. مشددا على أن “العلاقات التي  تجمع العرب تبقى الأعمق والأكثر تعبيرا عن الروابط بين الدول العربية وأن العلاقات السليمة بين سوريا والمملكة هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون”.

وتابع “هذه العلاقات لا تشكل مصلحة للبلدين فقط. وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضاً. حيث تنطلق من عمق تاريخي يعود إلى عقود طويلة بين البلدين”.

وأكد الأسد لضيفه كذلك على أن “السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصب لصالح الدول العربية والمنطقة”. مشددا على ضرورة الدعم العربي لسوريا لتجاوز كافة تداعيات الحرب واستعادة الاستقرار. لافتا إلى أن “التغييرات التي يشهدها العالم تجعل من التعاون العربي أكثر ضرورة في هذه المرحلة لاستثمار هذه التغيرات لمصلحة الشعب العربي في أقطاره المختلفة”.وفي وقت سابق ذكر إعلاميون أن وزير شؤون رئاسة الجمهورية السوري منصور عزام كان في استقبال الوزير السعودي عند وصوله لمطار دمشق.

وتتوج الزيارة استئناف العلاقات السورية السعودية وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدّة، في وقت تبحث دول عربية إمكانية عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها فيها في العام 2011.

وتأتي الزيارة في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران، حليفة دمشق، على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.

ودعت وزارة الإعلام السورية الصحافيين إلى تغطية وصول وزير الخارجية السعودي المتوقع بعد الظهر إلى مطار دمشق الدولي.
وإثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

وقدّمت السعودية، التي أغلقت سفارتها في دمشق في مارس 2012، خلال سنوات النزاع الأولى خصوصاً دعماً للمعارضة السورية، واستقبلت شخصيات منها على أراضيها.
لكن خلال السنوات القليلة الماضية برزت مؤشرات انفتاح عربي تجاه سوريا بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق العام 2018.
ومنذ وقوع الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا المجاورة في فبراير، تلقى الرئيس السوري بشار الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربيّة، في تضامن يبدو أنه سرّع عملية استئناف علاقاته مع محيطه الإقليمي.

الساحة السورية لم تعد مكان صراع ايراني سعودي كما كانت في بعض المراحل

وظهر الانفتاح السعودي تجاه دمشق للمرة الأولى بعد الزلزال بهبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، هي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.
وما هي سوى أسابيع قليلة حتى أعلنت الرياض الشهر الماضي أنها تجري مباحثات مع دمشق تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين.

وفي 12 أبريل، وفي أول زيارة رسمية إلى السعودية منذ قطيعة بين الدولتين، زار المقداد جدّة حيث بحث مع بن فرحان “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي”.
العودة الى الحضن العربي

وبعد السعودية، زار المقداد كل من الجزائر، احدى الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقاتها مع دمشق، كما تونس التي أعلنت الشهر الحالي استئناف علاقاتها مع سوريا.
والجمعة، استضافت السعودية اجتماعاً لدول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق لبحث في عودة دمشق إلى الحاضنة العربية.

ولم يصدر عن المجتمعون قراراً يقضي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، التي علقت عضويتها فيها في 2011، لكنهم أكدوا على “أهمّية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة” في سوريا، كما على “تكثيف التشاور بين الدول العربيّة بما يكفل نجاح هذه الجهود”.

ويبدو أن قطر لا تزال تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إذ اعتبر رئيس الوزراء الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي أن أسباب تعليق عضويّة دمشق لا تزال قائمة.

لكن في مقابلة مع قناة روسيا اليوم الشهر الماضي، قال الأسد “لن نعود إلا اذا كان هناك توافق”، معتبراً أن “العودة الى الجامعة العربية ليست هدفاً بحدّ ذاته، الهدف هو العمل العربي المشترك”.

ويتزامن الانفتاح العربي على دمشق مع تغيّر الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي-الإيراني الذي تُعلّق عليه آمال بعودة الاستقرار في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.

وفي مقابلته مع روسيا اليوم، قال الأسد إنّ “الساحة السورية لم تعد مكان صراع ايراني سعودي كما كانت في بعض المراحل”، معتبراً أن “السياسة السعودية اخذت منحى مختلفاً تجاه سوريا منذ سنوات وهي لم تكن في صدد التدخل في الشؤون الداخلية أو دعم أي فصائل في سوريا”.

وأشار إلى أن “الحديث عن علاقة سورية ايرانية يجب أن تنقطع لم يعد مثاراً مع سوريا منذ سنوات طويلة”.

وبعد 12 عاماً من الحرب، تتطلع دمشق اليوم إلى أموال إعادة الإعمار بعدما استعادت قواتها غالبية المناطق التي كانت خسرتها في بداية النزاع بدعم من حليفيها الأساسيين: روسيا وإيران.

وأودى النزاع بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرّد أكثر من نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. كما أنه حوّل البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية. وترك كل ذلك أثره على الاقتصاد المنهك جراء الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمصانع والإنتاح.

قد لا تغيّر عودة سوريا إلى الحضن العربي الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ هناك أطراف أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، والتي بدأت بدورها مباحثات مع سوريا حول استئناف العلاقات.

Exit mobile version