سياسة

كيف تزامنت نهضة الإمارات مع مواجهتها لتشدد “الإخوان”؟


حققت التجربة التنموية لدولة الإمارات العربية المتحدة نجاحات ينظر إليها الجيران والأشقاء بعين الإعجاب والتمثّل واستخلاص الدروس. وثمة تقديرٌ يذهب إلى القول إنّ عنصراً أساسياً في نجاح هذه التجربة ونضجها وتطورها المتسارع يكمن في نجاح الإمارات، في فترة مبكرة من عمر الدولة الشابة، من الإفلات من قيود التيارات الإسلاموية التي تعارض التحديث والانفتاح، وتحمل وعياً ضِدياً للتقدم والإقبال على المستقبل وتمثّل تجارب الأمم المتقدمة في بناء الدولة الوطنية وتمدن المجتمعات.
ولنا أن نتفهّم هذا الاستنتاج حين نراجع ونرصد تجارب المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، في العقود الأربعة الماضية، في مجال التحديث والتنمية والتطوير الاقتصادي، وكيف أنّ أزمة النظام البيروقراطي، وتقليديته وضعف مرونته، إلى جانب أنماط التدين المغلقة والمتشددة، بتأثير من التيار الصحوي في البلدين منذ ثمانينات القرن الماضي، كانت أسباباً رئيسية في عرقلة كثير من مشاريع التطوير والتحديث، التي بدأ بها البَلدان، وعلى الأخص الكويت في الحقيقة، قبل سنوات من انطلاق مسيرة التحديث والتنمية في دولة الإمارات.
لقد قدّمت دولة الإمارات فرصة ذهبية لجماعة “الإخوان المسلمين”-(جمعية الإصلاح) كي تُسهم في بناء الدولة الناشئة وتحديثها، وذلك منذ قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971. لقد أتاحت الإمارات، مثلاً، للقيادي الإخواني سعيد عبد الله سلمان، في التشكيل الحكومي الأول، أن يكون وزيراً للإسكان، وأتاحت للقيادي الإخواني محمد عبد الرحمن البكر أن يكون وزيراً للعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في التشكيل الوزاري الثاني، وفي التشكيل الوزاري الثالث (تموز/ يوليو 1979) أصبح سعيد سلمان وزيراً للتربية والتعليم في دولة الإمارات.
ومِثل كلّ مشاركات “الإخوان المسلمين” في الحكم في الدول العربية، ركّز وزراء “الإخوان” في الإمارات آنذاك على “الأسلمة” ومنع وتحريم الاختلاط في الجامعات، ووقفت “جمعية الإصلاح” ضد الزي الوطني الموحد في المدارس الإماراتية (حيث وصفته مجلة “الإصلاح” في عددها رقم 130 بالزي الإفرنجي) وضد تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية. وخاضت الجمعية والوزراء المنتمون إليها حملة شعواء ضد حصص الموسيقى في المدارس الإماراتية، وعقَدَ “الإخوان المسلمون” سلسلةً من المحاضرات حول التغريب والغزو الفكري، وجعلوا ذلك مِظلّة لجمع التبرعات لـ”المجاهدين الأفغان”، في ظلّ سياقات إقليمية ودولية مواتية.
ومع تعيين الدولة لأحمد حميد الطاير وزيراً للتربية والتعليم بالوكالة، اعتبره “الإخوان” خصماً لهم، فصدرت تعليمات “جمعية الإصلاح” بشنّ حملة عليه، وصلت إلى إطلاق تصريحات من قبل منتسبين للجماعة في الإمارات الشمالية بتكفير الطاير، بسبب إجراءات أصدرها لوقف تسييس سلك التعليم على يد “جمعية الإصلاح” والموظفين في المؤسسات الحكومية المنتمين إليها.
ومع نهاية الثمانينيات والسنوات الأولى من التسعينيات، ذهبت مجلة “الإصلاح” التي كانت تصدرها جماعة “الإخوان” في الإمارات بالتركيز في كثير من تقاريرها ومقالاتها وتعليقاتها على التحذير من مخاطر السياحة في دولة الإمارات، ومخاطر استقدام الأجانب وتأثيرهم السلبي، وفق المجلة، على الهوية الوطنية والثقافة الإماراتية، ووصل الأمر ذروته بتشكيك المجلة في إسلام بعض مسؤولي الحكومة. لقد عكست هذه المواقف تغلغل منهج “أسلمة المجتمع” في الوعي الإخواني، واقتناع “الإخوان” بأنّهم الأحق في الحكم والوصول إلى السلطة والقرار، وأنهم أحرص على الإسلام من غيرهم، وأنهم مسلمون من طراز رفيع، ومن يخالفهم يخالف الحقيقة الدينية.
تفطنت مؤسسات صناعة القرار في الإمارات، في إطار السجال مع الفكر الإخواني المتشدد، إلى أهمية التصالح بين الدنيا والدين، أو بين العقل والدين، وأنّ هذا التصالح هو الكفيل بالتمدن وحماية الدين في الوقت نفسه، كما يقول رشيد الخيون، الذي يؤكد أنّه لولا تلك الفطنة الإماراتية “لتغلّب الإسلام السياسيعلى أبوظبي، وأوقف كل تمدنٍ، وأحبط الخروج من الكثبان الرملية، ولحال دون استقدام الخبراء والعلماء والعاملين، فالمعاملة ستكون على أساس التديّن، والانتماء إلى الإخوان المسلمين”.
نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى