سياسة

فقه الولي الفقيه وفيروساته


فشل النظام السياسي الإيراني، لا فشل النظام الصحي، هو ما يجعل إيران اليوم ثاني أكبر بؤرة لتفشي فيروس كورونا، مع أكبر معدل للوفيات بعد الصين.

نظام الولي الفقيه بث الجهل في عقول الملايين، ما جعل مواجهة كورونا عملا مستحيلا إلى حد بعيد.

فالتجمعات في المراقد ذات الصبغة الدينية وقناعة المتجمهرين هناك بأنها مقدسة، دفع البعض ممن استجهلهم النظام إلى يلحسوا شبابيك تلك المراقد تحديا. كما دفع البعض الآخر إلى رفض إجراءات الوقاية التي تحد من تفشي الفيروس، حتى أصاب عددا من كبار المسؤولين أنفسهم. وهو ما يعني أن الجهل، الطائفي والثقافي، فتح الأبواب على مصاريعها أمام اتساع دائرة الإصابة بالمرض.

معظم دول العالم الأخرى لجأت إلى اتخاذ إجراءات مشددة لعزل المصابين وعلاجهم وتتبع مسارات الإصابة لمحاصرتها. هذا الأمر مستحيل في إيران لأن النظام السياسي لا يمتلك القدرة على تنفيذ هذه الإجراءات، ولئن كان يمتلك القدرة على تتبع المعارضين وملاحقتهم، فإنه لا يمتلك القدرة على تتبع الإصابات التي بلغت من الانتشار الآن ما يجعل الحصر مستحيلا.

ومنذ ظهور الفيروس كخطر داهم، اتخذت دول العالم المختلفة سلسلة من الاستعدادات لمواجهته، بينما عمدت سلطات الولي الفقيه إلى إخفاء الحقائق أو التغطية عليها أو الاستهانة بالمخاطر التي تهدد البلاد. وهو ما حرم ملايين الإيرانيين من أن يتخذوا الإجراءات الكفيلة بحمايتهم ولو على المستوى الشخصي. فعندما يعلم الانسان أن المخاطر وصلت، يمكنه على الأقل أن يتبع الإرشادات الأساسية لتلافي الإصابة. ولكن عندما يتحول عمى النظام إلى عمى جماعي، فإن العاقبة لا بد وأن تعني شيئا يشبه دفع الناس إلى مواجهة الكارثة من دون سابق إنذار.

فشل أنظمة الرعاية الصحية في إيران شأن سابق على أي فشل آخر. فنظام الولي الفقيه الذي أنفق أموال الإيرانيين على النزاعات والحروب الأهلية في الخارج، والذي حرص على تمويل مليشيات إرهابية وإجرامية لترتكب الفظائع هنا وهناك، لم يبق لديه إلا الفتات لكي ينفقه على أنظمة الخدمات الصحية.

وكان وزير الصحة السابق حسن قاضي زاده هاشمي قد استقال من منصبه العام الماضي؛ احتجاجا على خفض ميزانية وزارته. وهو يعرف، في الأصل، أن الميزانية السابقة نفسها لم تكن تكفي للحفاظ على الحد الأدنى للحؤول دون انهيار أنظمة الرعاية الصحية. ويتحدث المسؤولون في هذه الوزارة منذ عدة أعوام عن عجز المستشفيات وتداعي خدماتها.

كان مساعد وزير الصحة محمد آقاجاني قال في منتصف أغسطس (آب) من العام 2016 في تصريحات للتلفزيون الإيراني: “إن وزارة الصحة بحاجة إلى إعادة إعمار عدد كبير المستشفيات، وأن 67 في المئة من مستشفيات البلاد مترهلة، وهو ما يعادل 58 ألف سرير في المستشفى. وأن من بين هذا المجموع هناك 16 ألف سرير يتجاوز معدل استخدامها 50 عاما”.

هذا وضع سابق لكورونا. فما بالك اليوم؟ الفشل هنا، إنما هو فشل إداري وسياسي من الطراز الأول. وهو صارخ إلى حد لا يستطيع المسؤولون الإيرانيون أنفسهم نكرانه. فلماذا ظلوا ينفقون أموال بلادهم في اختلاق الحروب والنزاعات؟ ولماذا ظلوا ينفقون على التسلح بينما شعبهم يتهالك بين فقر وعوز وأمراض؟

أسئلة لن تجد لها جوابا مقنعا. وهي ليست من الأمور التي يتفقه بها “فقيه” النظام. ذلك لأن فقهه لم يبلغ حد الإدراك أن شعبا مريضا وجائعا ومُستعبدا للجهل لا يمكنه محاربة “الشيطان الأكبر”. ولو ذهبت لتسأل ضحاياه، لقالوا إنه هو الشيطان الأكبر ولا أحد سواه.

ولسوف يدفع الإيرانيون ثمنا باهظا لقاء نظام الفشل الراهن. ليس في مواجهة كورونا وحدها، بل في مواجهة الأسباب والأسس التي تجعل من المرض خطرا جماعيا.

ومع تحول إيران لتصبح ثاني أكبر دولة في العالم بعدد الوفيات، فالإيرانيون إنما يقفون في الواقع أمام مجزرة جماعية.

انظر في النسب، بين عدد السكان في الصين وإيران، وبين عدد الموتى، وستعلم ما هو حجم تلك المجزرة.

وفي بلد أفقره نظامه، وجعل شعبه يدفع الثمن الأكبر، فإن أحدا لم يُحص حتى الآن كلفة العزلة الإضافية التي سوف تعانيها إيران من جراء تحولها إلى واحد من أكبر مصادر تفشي الفيروس.

الاقتصاد ينهار، والتضخم يرتفع أعلى مما يمكن لصواريخ الحرس الثوري أن ترتفع، والمرض ينهش عظام الملايين حتى من قبل أن يصبحوا ضحية لنظام يتعمد إفشاء الجهل بشأن الفيروس ويحرص على الكذب بشأن المخاطر، ويخادع نفسه بمقدار ما يخادع شعبه في حروبه الدونكيشوتية ضد طواحين الهواء.

الحقيقة الساطعة هي أنه ما من شعب على وجه الأرض تعرض لكل هذا البلاء، مثل شعوب إيران. وأنه ما من فقه بلاء إلا فقه هذا النظام. فهو بحد ذاته وباء.

وها هو، على الأقل، يثبت بنفسه، أنه كارثة على إيران ليس بأقل منها على المنطقة بأسرها.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى