تردد كلام كثير مؤخرا عن حوار تم بين حكومة مالي وبين التنظيمات الإرهابية، قبل أن تقوم الحكومة المالية بنفيه في وقت لاحق.
وحديثنا اليوم عن الحالة المعاكسة، أي عن رغبة تنظيم “القاعدة” في عقد حوارات واتفاقات مع حكومات الدول، التي توجد بها مثل هذه التنظيمات الإرهابية، فمثلا نشرت جماعة “نصرة الإسلام”، التابعة لـ”تنظيم القاعدة في الساحل”، يوم 8 مارس/آذار 2020 في مجلّتها وثيقة من صفحتين بعنوان “بخصوص الدعوات للمفاوضات”، مترجمة للغات الإنجليزية والفرنسية والتركية.
وقد لجأ التنظيم لاستخدام “دعاية التماسك” في وثيقته تلك، كسبيل لتوحيد ما يتوهم أنه جمهوره في مالي، بغض النظر عن العمر والطبقة الاجتماعية والانتماء القبَلي، مستهدفا أيضا جمْع مسلمين أجانب حول أفكاره، ومحمّلا القوات الغربية مسؤولية ما أسماه “تراجع” خدمات التعليم والصحة والإسكان وفرص التوظيف، في محاولة منه للعب على عواطف واحتياجات الشعوب.
وفي الفقرة الرابعة من الوثيقة، يضع تنظيم “القاعدة” نفسه في صف الماليين، وتذكر وثيقته زعما بأن شعب مالي قد طلب مراراً من حكومته التفاوض والحوار مع الإرهابيين، فيما يغتنم التنظيم الفرصة لإلقاء اللوم على “الطبقة السياسية”، معتبرا إياها “سبب مشكلات البلاد”، بحسب زعمه.
ويقول التنظيم في وثيقته بوضوح: “نعلن أننا في جماعة نصرة الإسلام مستعدون للاستجابة لرغبات شعبنا”، ويضيف لاحقاً أن التنظيم “على استعداد للتوصل إلى اتفاق”.
ويعتبر التنظيم في الوثيقة المنشورة أن موافقة حكومة مالي على المفاوضات والحوار معه “أمر لا مفرّ منه”، ولكن من أجل قبول الحوار اشترط التنظيم سحب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة من مالي، كما لو كان في مكانة تجعله يفرض شروطا وليس هو الذي يطلب الحوار والاتفاق.
وبالنظر إلى أن “جماعة نصرة الإسلام” قد خسرت مساعيها لعقد اتفاق مع حكومة مالي، التي نفت الأمر تماما، فقد تلقّت الجماعة في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، تأييدات على شبكات التواصل الاجتماعي من موالين لأفكار التنظيم الإرهابي، وذلك بإعادة نشر الوثيقة، التي أظهر من خلالها “القاعدة” رغبته الواضحة في التفاوض مع حكومة مالي حفاظا على ما أسماه “بصيص الأمل”.
وبهذه المناسبة، يُلمح الموالون لتنظيم “القاعدة” إلى الحفاظ على حوار مفتوح مع الشخصيات السياسية المالية الرافضة مشاركة فرنسا، وبذلك يكون قد ناقض موقفه السابق، الذي ربط فيه بدء الحوار برحيل القوات الفرنسية.
أما “جماعة الشباب الصومالية”، التابعة لتنظيم “القاعدة”، فرغم أنها لا تزال تمارس المستوى نفسه من العنف ميدانياً، فإنها تستخدم في منشوراتها الدعائية سردية تقف فيها إلى جانب السكان وتقدّم نفسها كـ”بديل وحيد” للسلطة القائمة، في تناغم مع خطاب جماعات “القاعدة” الأخرى في بلدان أفريقيا.
وبغض النظر عمّا إذا كانت إرادة الإرهابيين من وراء هذه الدعوات للحوار والاتفاق هي تبييض صورتهم والتخفيف من وطأة أفعالهم لدى الشعوب أم لا، فإنهم سيواجهون صعوبة بالغة في كسب التعاطف معهم في مالي، وفي أفريقيا عموما، وذلك لأن الشعوب لم تنسَ ولن تنسى المذابح والقتل وعمليات الإعدام والتهديدات والابتزازات والسرقات وغيرها من أشكال الإرهاب والترويع، التي ارتكبت بحق أبنائها، من قبل عناصر هذه التنظيمات أينما حلّت.