صحيفة إندبندنت: أردوغان يقترف تطهيرا عرقيا ضد الأكراد
حسب ما جاء في مقال لباتريك كوكبيرن نشرته صحيفة إندبندنت البريطانية، فالإعلام عادة ما يتعامل مع جرائم الطرد الجماعي أو الإبادة الجسدية لمجتمع عرقي أو ديني بأكمله، والتي تسمى تطهيرا عرقيا بطريقتين مختلفتين، إما أن يولي أقصى قدر من الدعاية كموضوع مثير للرعب والجزع حول العالم حتى يلقى اهتمام دول العالم وتفعل شيئاً ما، أو يتم تجاهله ولا يصل أبداً إلى أجندة الأخبار.
أما بخصوص جريمة التطهير العرقي للأكراد التي ارتكبتها تركيا عند شن العدوان ضد شمال سوريا في 9 أكتوبر، فقد تم التعامل معها وفقا للطريقة الأولى. حيث كان هناك إدانة غاضبة للتهجير القسري لـ190 ألف كردي، يعيشون بالقرب من الحدود السورية التركية، على إثر اجتياح جنود أتراك للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتتقدمهم عناصر من ميليشيات الجيش الوطني السوري SNA، والذين هم في حقيقة الأمر عبارة عن مسلحين متطرفين مناهضين للأكراد.
وقد كشفت مقاطع فيديو مدنيين فارين من الأكراد، يتم سحبهم من سياراتهم وإعدامهم بالرصاص على جوانب الطرق، ورأى أيضا المراسلون الذين يزورون المستشفيات أطفالاً يموتون من آثار الفسفور الأبيض، بعد أن نهش أجسامهم، في الوقت الذي اتهمت القوات التركية بإطلاقه بواسطة قنابل أو قذائف سقطت على تجمعات المدنيين الأكراد.
في حين يتساءل الكثيرون عن السبب وراء لجوء جيوش ذات تفوق عسكري كامل لاستخدام مثل هذه الأسلحة المروعة، والتي تعتبر محرمة دوليا أو على أقل تقدير، تلطخ سمعة من يستخدمها بالكثير من الدعاية السيئة. وتفسير هذا الأمر هو أنه غالبا ما يكون استخدام مثل هذا النوع من الأسلحة الإرهابية متعمدا بغرض ترويع السكان المدنيين وإجبارهم على الهرب للنجاة بأرواحهم.
أما في حالة الغزو التركي لسوريا الشهر الماضي، فليس الدافع مسألة تكهنات، حيث كتب ويليام روبوك، وهو دبلوماسي أميركي كان يتمركز شمال شرقي سوريا في ذلك الوقت، مذكرة داخلية إلى مسؤولي الخارجية الأميركية بخصوص ما شاهده من حوادث هناك. وقد تم تسريب المذكرة في وقت لاحق، وتبين أنها واحدة من أفضل التحليلات المستنيرة لما حدث، بعنوان: حاضر في وسط الكارثة: الوقوف إلى جانب الأتراك الذين يقومون بتطهير عرقي للأكراد شمال سوريا ويزعزعون استقرار النظام المناهض لتنظيم داعش في الشمال الشرقي.
ولا يوجد عند روبوك، المُطلع على معلومات مخابراتية أميركية عن النوايا التركية، أي شك في أن أنقرة ترغب في طرد نحو 1.8 مليون كردي يعيشون في ولاية روجافا شبه المستقلة، حيق قال: العملية العسكرية التركية شمال سوريا، التي تقودها ميليشيات مسلحة متطرفة وتمولها أنقرة، تمثل جهداً للتطهير العرقي، يرتكز على صراع عسكري واسع النطاق ويستهدف جزءًا من قلب الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد على طول الحدود، ويستغل الرعب والخوف من العديد من الفظائع التي ترتكبها تلك القوات، والتي يتم الترويج لها على نطاق واسع.
وقد أشار أيضا روبوك إلى أن عناصر ميليشيات الجيش الوطني السوري كانت متحالفة في السابق مع تنظيم القاعدة وداعش، إلى جانب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن، في خطاب ألقاه في الأمم المتحدة، أن تركيا تنوي ملء المناطق الكردية، قليلة السكان، بالعرب السوريين، اللاجئين حاليا في تركيا والنازحين من أجزاء أخرى من سوريا.
إن إشارة روبوك إلى الروابط المتطرفة للجيش الوطني السوري صحيحة، لاسيما وأن أعضاءها قاموا بتصوير مقاطع فيديو يظهرون فيها بأنفسهم وهم يدينون الأكراد ويتهمونهم بأنهم كفار، إلى جانب قيامهم بالتهديد بقتل أعضاء وحدات حماية الشعب YPG، التي تكبدت خسائر تقدر بنحو 10 آلاف من مقاتليها خلال التحالف مع القوات الأميركية في الحرب ضد تنظيم داعش.
كما لم يحدث أي جديد أو اختلاف كبير، لما كشفته مذكرة روبوك المسربة، خلال زيارة أردوغان لواشنطن ولقائه مع الرئيس ترامب يوم الأربعاء. بل إنه تواترت أقوال حول قيام أردوغان برد رسالة أرسلها ترامب محذرا الرئيس التركي من المضي قدما في العدوان على شمال شرقي سوريا حيق قال فيها: لا تكن رجلًا عنيدا. لا تكن أحمق!. أما من الناحية العملية، فلا يبدو العدوان العسكري لأردوغان أحمق للغاية نظرا لأنه يوازن بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتفادى موجة من الحماس القومي المتطرف في تركيا.
أصبحت الشكاوى المتعلقة بالوحشية التركية ووكلائها أمراً شائعاً، غير أن التركيز قد أصبح على الهدف الأساسي المتمثل في التطهير العرقي للأكراد من الحدود التركية غير واضح وأقل وضوح، بالرغم من أنه لا يزال مستمراً. وإن جعل الحياة مستحيلة بالنسبة للسكان المدنيين يمكن أن يتخذ أشكالًا فعالة أخرى ولكنها أقل دراماتيكية من استخدام الفسفور الأبيض أو التصفية الجسدية بالرصاص على جانب الطريق.
والحرمان من مياه الشرب، فهو من الأمثلة على هذا النوع من الضغط المُقَنع، لحوالي 400 ألف نسمة، معظمهم من الأكراد، الذين يعتمدون على محطة مياه ألوك بالقرب من رأس العين، والتي تضررت في القتال في وقت العدوان العسكري التركي. وتخضع المنطقة لسيطرة الميليشيات التابعة لتركيا، والتي تمنع إصلاح محطة المياه. وقد فشلت حتى الآن المحاولات اليائسة التي تبذلها الأمم المتحدة لاستعادة إمدادات المياه من محطة ألوك.
كما تشير المعلومات إلى أنه حتى قبل 9 أكتوبر، قد كان 900 ألف من أصل 3 ملايين نسمة، يعيشون شمال شرقي سوريا، وقد كانوا في حاجة ماسة لمياه الشرب، ومنذ ذلك الحين ازداد الوضع سوءًا.
بينما يقول مشككون بأنه لا يبدو أن كل التركيز الإعلامي على جرائم التطهير العرقي التركي للأكراد شمال سوريا منذ الغزو يجدي أي نفع للضحايا. غير أن الثمن الذي تدفعه تركيا في الموازنات الدولية المائلة، إلى حد كبير، يتم تعويضه عن طريق ما اكتسبته من خلال العلاقات الشخصية الوثيقة بين أردوغان وترامب.
وإنه لمن الصعب إجراء عمليات طرد وقتل جماعية من قبل وكلاء تنظيم القاعدة الذين أصبحوا عاملاً فاعلاً في معارك سياسية بين البيت الأبيض من جانب وجزء كبير من الكونغرس ووسائل إعلام أميركية وتأسيس السياسة الخارجية من جهة أخرى.
إن ضغوط تركيا على الأكراد للنزوح من روجافا يمكن أن تكون أسوأ بكثير لأن هذا قد حدث بالفعل في عفرين، الجيب الكردي المعزول شمال حلب، والذي قامت تركيا باجتياحه واحتلاله في أوائل عام 2018. إنه يعتبر مثالا على نوع التطهير العرقي المذكور سابقًا والذي لم يتم تداوله في التقارير الإخبارية مطلقًا.
لقد أصبح الكثير من السكان الأكراد الأصليين، البالغ عددهم 200 ألف كردي، لاجئين ويتعرضون لانتهاكات على يد نفس الميليشيات المسلحة السورية، التي شكلت طليعة قوات العدوان العسكري ضد شرق الفرات في أكتوبر.
يصعب الحصول على معلومات من عفرين، غير أن ما يرد من أخبار يروي أن الأكراد يفقدون منازلهم وأراضيهم وآلاتهم الزراعية، وبأنهم يعيشون تحت رحمة عملاء ميليشيات وحشية خاضعة لسيطرة تركية. ويذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن إحدى المنظمات القليلة التي تمتلك مصادر معلومات في عفرين، أنه في إحدى القرى، في اليوم الذي كان يجتمع فيه أردوغان وترمب في واشنطن، تم اختطاف 6 أشخاص محليين ونقلوا إلى سجن خاص بمعرفة عناصر موالية لأنقرة. بينما قد ذكرت وسائل إعلام محلية مسبقا بأنه تم اختطاف صبي (10 أعوام) ومصاب بمتلازمة داون، مع والده وجده. وتم قتلهم فيما بعد عندما لم يتمكن باقي أفراد العائلة من دفع فدية قدرها 10 آلاف دولار.
كل هذه الجرائم والممارسات الوحشية اللاإنسانية هي جرائم تطهير عرقية قائمة ومتواصلة، وهي ما يمكن اعتباره بأن ترامب قد أعطى الضوء الأخضر لها عندما فتح الباب أمام العدوان العسكري التركي في سوريا.