جهود أردنية للتقارب مع إيران لتجنب تداعيات الرد على إسرائيل
أثارت اتهامات إسرائيلية بتهريب الأسلحة إلى حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة عبر الحدود الشرقية للأردن، تساؤلات حول اختيار تل أبيب توقيت إطلاق تلك الادعاءات، وفيما إذا كان لذلك علاقة بارتفاع نسبي لمستوى التواصل بين المملكة وإيران.
والاثنين، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى الإسراع في بناء جدار على طول الحدود مع الأردن، مبينا أن “وحدات الحرس الثوري الإيراني تتعاون مع حماس في لبنان لتهريب الأسلحة والأموال إلى الأردن، ومنها إلى الضفة”.
وردت عمّان بدورها على تلك المزاعم، عبر منشور لوزير خارجيتها أيمن الصفدي، عبر منصة “إكس”، قال فيه إن “إسرائيل وعدوانها على قطاع غزة وخروقاتها للقانون الدولي هم التهديد الأكبر لأمن واستقرار المنطقة”.
والاتهام الإسرائيلي للأردن لا يمكن قراءته بشكل “بريء” وفق مراقبين، فهو يأتي في إطار محاولات من تل أبيب لتعكير صفو تواصل المملكة وإيران، لا سيما بعد لقاءين للصفدي مع نظيره الإيراني علي باقري كني، الأول في طهران في 4 أغسطس/آب الجاري، والثاني بعد 3 أيام خلال القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة بالسعودية، بالإضافة إلى اتصال هاتفي بينهما.
واختيار وزير خارجية إسرائيل لـ” الحرس الثوري” في تصريحه، يؤكد أن الاتهام محاولة للزج بإيران لاستثارة الأردن تجاه ذلك، ما يعزز فكرة القلق الإسرائيلي من تقارب طهران وعمان.
وتعقيبا على ذلك، قال حسن الدعجة، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال بالأردن (حكومية)، إن “تكرار التواصل بين الأردن وإيران في الفترة الأخيرة يثير تساؤلات حول الدوافع والدلالات الاستراتيجية لهذه الخطوة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة والتهديدات الإيرانية المستمرة لإسرائيل”.
وأشار إلى أنه “لفهم أبعاد هذا التواصل بشكل أعمق، يمكننا النظر إلى عدة محاور أساسية تبرز أهمية هذه الاتصالات، أولها التوازن الإقليمي والدور الأردني، إذ تلعب المملكة دورًا مركزيًا في المنطقة، حيث تسعى للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع مختلف الأطراف”.
وبشأن السياسة الخارجية لبلاده، قال الأكاديمي إن المملكة “تسعى إلى تجنب الانجرار إلى صراعات أو تحالفات قد تؤثر سلبًا على استقرارها الداخلي، وفي هذا السياق، يُنظر إلى التواصل مع إيران كجزء من استراتيجية أردنية أوسع، تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية، وعدم حصرها في نطاق الدول الحليفة التقليدية”.
واعتبر أن “هذا التواصل قد يكون أيضًا محاولة لتعزيز دور الأردن كوسيط إقليمي قادر على التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك إيران التي تعتبر لاعبا رئيسيا في الشرق الأوسط”.
وتابع “من خلال الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع طهران، يمكن للأردن أن يلعب دورًا محوريًا في تهدئة التوترات، أو حتى المساهمة في جهود دبلوماسية تهدف إلى حل النزاعات الإقليمية، وهو ما يعزز من مكانته كدولة تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
أما المحور الثاني لأهمية اتصالات الأردن وإيران، فهو “الأمن الوطني والمخاوف الاستراتيجية”، حيث أكد الدعجة أن “التواصل مع إيران يحمل أيضًا دلالات أمنية واضحة، فهو الذي يجاور إسرائيل من جهة الغرب، وسوريا من الشمال، لذلك يجد نفسه في وضع حساس للغاية في ظل التهديدات الإيرانية المتزايدة تجاه إسرائيل”.
وفيما يتعلق بالهجوم الإيراني المحتمل على إسرائيل، أوضح الدعجة أن “الأردن لا يرغب في أن يكون في مرمى النيران إذا ما اندلعت مواجهات بين الطرفين، ولذلك قد يسعى من خلال هذه الاتصالات إلى التوسط أو نقل رسائل بين الأطراف لتجنب أي تصعيد قد يهدد أمنه القومي”.
وتترقب إسرائيل ردود فعل انتقامية من إيران و”حزب الله” عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بطهران في 31 يوليو/ تموز الماضي، وتبني تل أبيب اغتيال القيادي البارز في الحزب فؤاد شكر، ببيروت في اليوم السابق.
أما المحور الثالث وقد اختاره الدعجة تحت عنوان “البراغماتية السياسية والتوازنات الدولية”، وقال فيه: “من المهم الإشارة إلى أن الأردن لا ينساق وراء سياسات إيران الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحركات مقاومة ضد إسرائيل”.
وأضاف أنه “على الرغم من تكرار التواصل بين الجانبين، إلا أن هذا لا يعني أن هناك تحولا جوهريا في علاقات البلدين، والأردن يظل حذرا من التورط في أي تحالفات قد تضر بعلاقاته مع حلفائه التقليديين، مثل الولايات المتحدة والدول الخليجية”.
وأشار إلى أن “التواصل مع إيران قد يُفهم أيضا على أنه محاولة من جانب الأردن للحفاظ على خطوط اتصال مع جميع الأطراف، بما في ذلك تلك التي تختلف معه في السياسات”.
ويعتبر “التأثير على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، المحور الرابع الذي حدده الدعجة لأهمية اتصالات الأردن وإيران؛ حيث بين أنه “إلى جانب المخاوف الأمنية المباشرة، فإن التواصل الأردني الإيراني قد يكون له أيضًا أبعاد تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ فالأردن الذي يحمل وصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، يسعى دائمًا إلى لعب دور فعال في القضية الفلسطينية”.
وفي هذا السياق، اعتبر أن “التواصل مع إيران وسيلة لتعزيز موقفه التفاوضي، أو حتى للحصول على دعم إيراني في قضايا تتعلق بالمقدسات الإسلامية”.
واعتبر أن “التواصل المتكرر بين الأردن وإيران يعكس استراتيجية أردنية معقدة تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الأمنية والدبلوماسية، وعلى الرغم من أن هذا التواصل لا يشير بالضرورة إلى تحالف، إلا أنه يعبر عن براغماتية سياسية في التعامل مع قضايا المنطقة”.
من جانبه، قال المحلل السياسي عامر السبايلة إن “التواصل بين عمان وطهران ليس تحولاً، وإنما نقطة استثمار الأزمة الحالية لتأسيس شيء إيجابي بين الطرفين”.
ورأى أن “الأردن يعتقد أن في إيران فرصة في ظل التغيرات الأخيرة، يمكن استثمارها في تجنيب المملكة أي سياسات عدائية من طهران أو أي مواجهات مستقبلية”.
واستبعد أن “يستخدم الأردن تقاربه مع إيران كورقة ضغط على إسرائيل، رغم أن مصالح عمان تسمح بالتحرك ضمن هذا الأساس”.
وشدد على أن “إسرائيل لا ترغب بتقارب إيراني أردني؛ لأن تل أبيب في حالة عداء مع طهران وتسعى لإبقائها في عزلتها ومن ثم مواجهتها لاحقا، والتقارب مع أي طرف هو ضد أدبياتها التي تعمل عليها في بناء حلف ضد إيران”.
وفي هجوم شنته إيران على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، عبرت صواريخ وطائرات مسيرة في أجواء الأردن، فيما أسقطت دفاعات المملكة بعضها لـ”انتهاكها سيادة البلاد”، وفق عمان آنذاك.
وعام 2016، خفضت عمان مستوى علاقاتها مع طهران من سفير إلى قائم بالأعمال ولم تعده إلى مستواه بعد؛ تضامنا مع السعودية إثر قطع علاقتهما مع إيران، لكن الرياض وطهران استأنفتا علاقتهما الدبلوماسية بوساطة الصين في 2023.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة خلّفت أكثر من 132 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وللمطالبة بإنهاء هذه الحرب، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر الماضي قصفا يوميا أسفر عن مئات القتلى والجرحى معظمهم في الجانب اللبناني.