سياسة

توتر متصاعد بين واشنطن وطهران.. شروط متضادة تهدد مستقبل الاتفاق النووي


في السابق، بدت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني واعدة لكنها أصبحت الآن فريسة صراع مرير حول تخصيب اليورانيوم.

وقبل أيام، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني بات “قريبا”.

لكن هذا لا يبدو صحيحًا مع تمسك واشنطن وطهران بخطوطهما الحمراء واستبعادهما لإمكانية التوصل إلى حل تفاوضي، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

وأمس الثلاثاء، وصف المرشد الإيراني علي خامنئي مطالب الولايات المتحدة لإيران بوقف تخصيب اليورانيوم بأنها “مفرطة ومشينة” و”هراء”، وأثار مزيدًا من الشكوك حول إمكانية تحقيق أي نتيجة في الجولة القادمة من المحادثات.

وبالمثل، أكد قادة إيرانيون آخرون أن المحادثات ستفشل إذا أصرت واشنطن على مطلبها بوقف تخصيب اليورانيوم محليًا، وهو ما تعتقد طهران أنه حق تتمتع به بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.

وفي حين قالت إيران إنها تواصل دراسة أحدث مقترح أمريكي فإن حجر الأساس لموقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبح يستند إلى الرأي القائل إن منشآت تخصيب اليورانيوم هي مفتاح قدرة طهران على تحويل المواد غير الضارة إلى سلاح نووي.

وهو ما ظهر في تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي، ماركو روبيو.

وسبق أن حذر ترامب إيران من أنها إذا لم تتوصل إلى اتفاق، فقد تواجه ضربة عسكرية “بعنف لم يشهده أحد من قبل”.

«بعيدون»

وفي تصريح للمجلة، قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “نحن بعيدون كل البعد عن التوصل إلى اتفاق حاليا”.

وأضاف “حسب فهمي، فإن الاقتراح الأمريكي هو التخصيب الصفري، وهو اقتراح له سجل حافل بالفشل على مدى 20 عامًا”.

وفي وقت من المنتظر عقد جولة خامسة بعد غد الجمعة، بدت المفاوضات النووية أفضل فرصة منذ سنوات لحل الأزمة الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة في ظل تضرر الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأمريكية والغربية والقيود المستمرة على تصدير النفط.

وتعقد الجولة المقبلة من المباحثات بين واشنطن وطهران، الجمعة في روما، وفق ما أعلن اليوم الأربعاء وزير خارجية سلطنة عمان التي تتولى وساطة بين طهران وواشنطن.

كما تم القضاء على وكلاء إيران الإقليميين في غزة ولبنان وسوريا، في حين تعرضت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية للتدمير بسبب الضربات الإسرائيلية مما يجعل تهديدات ترامب العسكرية أكثر إقناعًا من التهديدات السابقة لوقف طموحات إيران النووية بالقوة.

بأي ثمن؟

كل هذه العوامل إضافة إلى الدعم الإيراني الشعبي منحت القادة الإيرانيين المساحة السياسية للانخراط مرة أخرى في المحادثات ولكن ليس بأي ثمن، وخاصة عدم التخلي عما تعتبره البلاد حقها في تخصيب اليورانيوم على الأقل إلى المستويات المنخفضة المستخدمة في المفاعلات النووية المدنية.

وفي الوقت نفسه، فإن إدارة ترامب لديها سياساتها الداخلية الخاصة التي يجب مراعاتها في المحادثات مع إيران، ففي 14 مايو/أيار الجاري، أرسل أكثر من 200 مشرع رسالة إلى ترامب لحثه على رفض أي اتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ بقدرتها على تخصيب اليورانيوم وهو ما اعتبروه الخطأ الفادح في اتفاق 2015.

وقال بهنام بن طالبلو، المدير الأول لبرنامج إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن هذا الموقف المتشدد قد يُمكّن في النهاية من انتزاع تنازلات من إيران، لأنه بدونها، سيكون الكونغرس غير قادر على التصديق على أي اتفاق.

ولا تزال هناك تساؤلاتٌ كثيرة حول ما إذا كان تخفيف العقوبات سيتحقق فعليًا في حال التوصل إلى اتفاق فالعقوبات الأمريكية الأساسية والثانوية، مثل تلك التي تُقيد قطاعي الطاقة والبنوك في إيران، شديدة الصرامة.

وفي الفترة بين توقيع الاتفاق الأول في 2015 وانسحاب الولايات المتحدة منه في عام 2018، تعلمت إيران أنه من الصعب إغراء البنوك والشركات الأمريكية، وحتى العديد من البنوك والشركات الأوروبية، بالعودة إلى العمل في أماكن أُدرجت في القائمة السوداء لفترة طويلة، وقد تُدرج فيها مجددًا.

لكن أي اتفاق سيسمح لإيران بتخصيب كميات صغيرة من اليورانيوم إلى المستويات المنخفضة اللازمة للمفاعلات المدنية مع التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب وفتح البلاد لعمليات تفتيش منتظمة من قبل السلطات النووية الدولية، سيبدو مشابها لاتفاق 2015 الذي أبرمه الرئيس الأسبق باراك أوباما وواجه انتقادات شديدة من قبل ترامب والجمهوريين.

وقال بن طالبلو إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق مشابه “فسيقول الإيرانيون: لقد أجبرنا ترامب على العودة إلى نفس الصفقة”، مضيفا “ترامب لا يستطيع تحمل ذلك”.

ما وراء الضغط

يعود ضغط إدارة ترامب ضد التخصيب إلى ضعف إيران الحالي، مما يغذي الاعتقاد بأن طهران ستقبل بأي شروط صعبة للحصول على بعض الإعفاء من العقوبات.

لكن هذا الضعف في حد ذاته هو ما يجعل من الصعب على إيران التخلي عن جميع بقايا برنامجها النووي الذي تكلف سنوات من الاهتمام ومبالغ هائلة من الاستثمار الحكومي وفقا لما ذكره فايز.

ورغم المهلة غير الرسمية التي اطلقها ترامب في أبريل/نيسان الماضي والتي تستمر شهرين، فإن الساعة الحقيقية تدق في أوروبا.

ففي أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستفقد الأطراف الأوروبية الثلاثة في اتفاق 2015 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) القدرة على “إعادة فرض” عقوبات الأمم المتحدة على إيران التي رُفعت كجزء من ذلك الاتفاق.

وأصبحت الدول الأوروبية، التي تشعر بالقلق من سلوك إيران في المنطقة واستمرار تقدمها في برنامجها النووي ودعمها لروسيا أكثر تشددًا تجاه إيران، وقال بن طالبلو “منذ مغادرة ترامب منصبه، أصبحت أوروبا أكثر يمينية تجاه إيران”.

وتدرس أوروبا إعادة فرض العقوبات كوسيلة لإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية، وحذرت طهران من أن هذه الخطوة ستدفعها إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، مما قد يكون له تداعيات مقلقة على الجهود الدولية لمراقبة برنامج إيران النووي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى