تركيا ودلالات استثناء تونس

خورشيد دلي


استبشر العالم العربي خيرا بالتحولات التي تشهدها السياسة الخارجية التركية، والخطوات الانفتاحية التي تبديها تجاه مصر ودول الخليج العربي.

إلا أن تصريحات قادة تركيا بخصوص التطورات الجارية في تونس، وتحديدا بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، حل البرلمان نهاية مارس الماضي، ومن ثم تقديم راشد الغنوشي مع ستة قياديين بـ”النهضة” إلى المحكمة بتهمة الإرهاب، أعاد إلى الأذهان السياسة الأيديولوجية التي اتبعتها حكومة حزب “العدالة والتنمية”، الحاكم في تركيا، تجاه العالم العربي طوال العقد الماضي.

ولعل هذه التصريحات شكّلت مفارقة تركية، إذ بدت خارج الخطاب الإيجابي التركي لفتح صفحة جديدة مع العالم العربي، خاصة مع إدانة تركيا للعمليات ضد المدنيين في إسرائيل، وعليه جاءت التصريحات التركية، المتدخلة في شؤون تونس، مفاجئة، ودفعت بالتونسيين إلى الرد عليها بقوة، وقد تجلى ذلك في تصريحات الرئيس “سعيد” حين قال: “لسنا إيالة عثمانية، ولا ننتظر فرمانا من جهة معينة”، وكذلك في استدعاء الخارجية التونسية للسفير التركي بتونس، إذ القناعة العامة لدى التونسيين هي أن التصريحات التركية هذه شكّلت تدخلا واضحا في شؤون بلادهم.

في الواقع، فإن التصريحات التركية السابقة زادت من المخاوف الإقليمية من السياسة التركية، إذ من شأنها خلق شرخ في العلاقة التركية-التونسية، وكذلك لفت انتباه مصر والدول العربية الخليجية إلى هذه التصريحات في خضم جهود إعادة العلاقات مع تركيا، وكذلك في تأكيد أسباب تردد إسرائيل في تسريع حركة التفاهم مع تركيا، ولعل هذا ما يفسر التصريحات الإسرائيلية، التي تقول إن ثمة مواقف تركية “لا تشجع على تسريع عملية التطبيع مع أنقرة”.

أسئلة كثيرة تُطرح عن أسباب المقاربة التركية السابقة للأحداث والتطورات في تونس، منها: ما الذي يقف وراء التصريحات التركية بخصوص ما جرى في تونس؟ ولماذا هذه التصريحات بدت مخالفة للسياق الإيجابي للسياسة الإقليمية التركية؟ وهل ما جرى بخصوص تونس يشكّل استثناءً في السياسة التركية وتحولاتها؟

في الواقع، ما فُهم من التصريحات التركية السابقة هي أنها جاءت تعبيرا عن اصطفاف أيديولوجي من حكومة “العدالة والتنمية” الحاكم إلى جانب حركة “النهضة” -ذراع الإخوان في تونس- في إطار العلاقات التاريخية بين الجانبين، انطلاقا من البُعد الأيديولوجي، الذي يربطهما، بمعنى آخر، أن ما يهم حكومة “العدالة والتنمية” هو استمرار حركة النهضة في الحكم، حتى لو كان ذلك على حساب التونسيين وأمنهم وجهودهم للسير ببلادهم نحو الاستقرار والوفاق والتنمية.

وهذا ما يتطلب احترام استقلالية قرار التونسيين، وليس التدخل في شؤونهم، خاصة أن حركة النهضة ذهبت بعيدا في الاستقواء بالخارج، من الولايات المتحدة وصولا إلى تركيا، مرورا بعدد من الدول الأوروبية، بغية البقاء في الحكم بعد أن لفظتها العملية السياسية والدستورية الجارية في تونس.

من مفارقات السياسة التركية بهذا الخصوص هو رفع الصوت عاليا ضد القيادة التونسية عندما قررت حل البرلمان، مقابل الصمت الكامل إزاء ما جرى في باكستان بعد حل برلمانها، فلماذ رفعت الصوت في تونس وصمتت في باكستان؟ هل هي سهولة إشهار البُعد الأيديولوجي تجاه تونس مقابل الحذر الإقليمي تجاه باكستان والخشية من روسيا والصين؟

ربما أخذت تركيا في الحالة الباكستانية العلاقة الجيدة، التي كانت تربط كلا من موسكو وبكين بباكستان، لا سيما بعد الأزمة الروسية-الأوكرانية، لكن الثابت أن العلاقة التركية مع العالم العربي لا تستقيم دون تخلي حكومة “العدالة والتنمية” عن البُعد الأيديولوجي في سياستها الخارجية تجاهه، خاصة أن هذا البُعد يتناقض مع المصالح الوطنية للعلاقات بين الدول، لا سيما وأن الذاكرة العربية مليئة بصور التدخل التركي في شؤون دولها، من سوريا إلى ليبيا مرورا بمصر وتونس.

Exit mobile version