تبون يفوز بولاية ثانية رغم مقاطعة أكثر من نصف الناخبين الجزائريين
فاز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من مقاطعة أكثر من نصف الناخبين، مما يثير تساؤلات حول شرعية الانتخابات وأسباب ضعف الإقبال.
فاز الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبدالمجيد تبون في الانتخابات بنسبة ناهزت 95 في المئة، بينما خسرت السلطة في الجزائر الرهان على إقبال مكثف في الاقتراع الرئاسي إذ لم تتعد نسبة المشاركة 48 في المئة بحسب النتائج الأولية.
وأرجع حسني عبيدي من مركز “سيرمام” للدراسات في جنيف، انخفاض نسبة المشاركة إلى “الحملة الانتخابية المتواضعة” مع وجود متنافسَين “لم يكونا في المستوى” المطلوب ورئيس “بالكاد عقد أربعة تجمعات”، مضيفا أنه بالنسبة إلى الناخبين “ما الفائدة من التصويت إذا كانت كل التوقعات تصب في مصلحة الرئيس”.
وأعلن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، خلال مؤتمر صحفي، فوز تبون بأغلبية أصوات الناخبين بـ94.65 بالمئة.
وأضاف أن المرشح عبدالعالي حساني شريف، رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، حل ثانيا بـ3.17 بالمئة، فيما احتل المرشح يوسف أوشيش، السكرتير الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض/يساري)، المركز الثالث والأخير بـ2.16 بالمئة.
وأفاد شرفي بأن الأصوات المعبر عنها للمترشحين الثلاثة بلغت 5 ملايين و630 ألف و196 صوتا من أصل أكثر من 24 مليون ناخب مسجل في القائمة الانتخابية.
ومن المقرر أن تحيل سلطة الانتخابات محاضر الفرز بشكل فوري إلى المحكمة الدستورية، التي ستنتظر خلال مدة لا تتعدى 48 ساعة في أي طعون محتملة، على أن تعلن النتائج النهائية خلال 10 أيام.
ودُعي أكثر من 24 مليون جزائري للمشاركة في الانتخابات. وبلغت نسبة المشاركة في الساعة الخامسة عصرا (16:00 ت غ) 26.46 بالمئة، بانخفاض قدره سبع نقاط مقارنة بالساعة ذاتها في انتخابات 2019 (33:06 بالمئة)، حسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وشهدت الانتخابات التي حملت تبون إلى الرئاسة في 2019 عزوفا قياسيا بلغ 60 بالمئة، حيث حصل على 58 بالمئة من الأصوات في خضم تظاهرات الحراك الشعبي العارمة المطالبة بالديمقراطية ودعوة الكثير من الأحزاب إلى مقاطعة التصويت.
ولدى افتتاح مراكز الاقتراع كان المسنّون، خاصة من الرجال، أول الوافدين، مثل سيد علي محمودي وهو تاجر يبلغ 65 عاما جاء “باكرا لأداء واجبه الانتخابي بكل ديمقراطية”.
وعند الظهيرة بدأت النساء في الخروج للتصويت ومنهن طاووس زايدي وهي ربة منزل في السادسة والستين وليلى بلقرمي محاسبة تبلغ 42 عاما، واللتان صرحتا بأنهما تقترعان للمشاركة في “تطوير البلد” و”المساهمة في الإصلاحات فيها”.
والفائز يبدو “معروفا مسبقا”، وفق ما علّق أستاذ العلوم السياسية محمد هناد عبر فيسبوك، مشيرا إلى أن ذلك يأتي “بالنظر إلى نوعية المرشحين وقلة عددهم غير العادي وكذا الظروف التي جرت فيها الحملة الانتخابية التي لم تكن سوى مسرحية للإلهاء”.
ويحظى الرئيس المنتهية ولايته بدعم أحزاب الأغلبية البرلمانية وأهمها جبهة التحرير الوطني، الحزب الواحد سابقا، والحزب الإسلامي حركة البناء الذي حل مرشحه ثانيا في انتخابات 2019، ما يجعل إعادة انتخابه أكثر تأكيدا.
ولم يشر تبون في تصريحه عقب التصويت في مركز أحمد عروة بالضاحية الغربية للعاصمة، إلى نسبة المشاركة وضرورة التصويت بقوة كما فعل منافساه.
وقال “أتمنى أن تجري الأمور بكل ديمقراطية. هذه الانتخابات مفصلية لأن من يفوز بها عليه مواصلة مسار التنمية الاقتصادية للوصول إلى نقطة اللارجوع وبناء الديمقراطية”.
وخاض الانتخابات ثلاثة مرشحين أبرزهم تبون (78 عاما) في مواجهة مرشحين هما رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية (حمس) عبدالعالي حساني شريف (57 عاما) وهو مهندس أشغال عمومية والصحافي السابق رئيس جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش (41 عاما)، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر يتمركز في منطقة القبائل بوسط شرق البلاد.
وأدلى حساني بصوته في مكتب بحي تيليملي بالعاصمة. ودعا الجزائريين “للتصويت بقوة لأن ارتفاع نسبة المشاركة من شأنها تثبيت شرعية هذه الانتخابات”، آملا في أن “تكون الانتخابات دون إكراهات”.
بدوره وجّه يوسف أوشيش “رسالة إلى الجزائريات والجزائريين الذين لم يصوّتوا للخروج بقوة من أجل المساهمة في صناعة مستقبلكم”.
وكانت الانتخابات مقررة عند انتهاء ولاية تبون في ديسمبر، لكنه أعلن في مارس تنظيم اقتراع رئاسي مبكر في السابع من سبتمبر.
وأكد حسني عبيدي أن تبون يرغب بـ”مشاركة مكثفة، فهذا هو الرهان الأول، إذ لم ينس أنه انتخب في العام 2019 بنسبة مشاركة ضعيفة ويريد أن يكون رئيسا طبيعيا وليس منتخبا بشكل سيئ”.
وفي مواجهة شبح عزوف مكثف بالنظر لانعدام رهانات هذا الاقتراع، أجرى تبون ومؤيدوه وكذلك فعل منافساه، جولات عدة على امتداد البلاد منذ منتصف أغسطس ليشجعوا على المشاركة القوية، لكن مجريات الحملة الانتخابية لم تحظ سوى باهتمام ضئيل، خصوصا أنها جرت على غير العادة في عز الصيف في ظل حر شديد.
وفي الخارج، بدأ الجزائريون المهاجرون وعددهم 865490 ناخبا (حسب الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات)الإدلاء بأصواتهم منذ الاثنين، فيما بلغت نسبة المشاركة بينهم 18.31 بالمئة عند الساعة 16:00. كما خصصت مراكز اقتراع متنقلة للقاطنين في المناطق النائية داخل البلاد.
وركز المرشحون الثلاثة خطاباتهم أثناء الحملة الانتخابية على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، متعهدين بالعمل على تحسين القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد ليصبح أقل ارتهانا لقطاع الطاقة الذي يشكل 95 بالمئة من موارد البلاد بالعملة الصعبة.
وعلى المستوى الخارجي، أجمع المرشحون على الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن انفصال الصحراء المغربية الذي تنادي به جبهة بوليساريو والجزائر، فيما يقترح المغرب حكما ذاتيا تحت سيادته لحل النزاع المفتعل. ويحظى المقترح المغربي بدعم دولي واقليمي متزايد مع تواتر الاعترافات بمغربية الصحراء.
ووعد تبون، مستندا إلى حصيلة اجتماعية واقتصادية محسنة، بزيادات جديدة في الأجور ومعاشات المتقاعدين وتعويضات البطالة وببناء مليوني مسكن، فضلا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 400 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر “ثاني اقتصاد في إفريقيا” بعد جنوب إفريقيا.
وفي ختام حملته الانتخابية بالجزائر العاصمة، تعهد الرئيس الذي يلقبه البعض في مواقع التواصل الاجتماعي “عمي تبون“، إعطاء الشباب “المكانة التي يستحقونها”، علما أنهم يمثلون نصف سكان البلاد وثلث الناخبين.
وقال إنه يريد استكمال تنفيذ مشروع “الجزائر الجديدة”، معتبرا أن ولايته الأولى واجهت عقبة جائحة كوفيد-19، بينما تعهّد منافساه منح الجزائريين مزيدا من الحريات.
وأعلن أوشيش التزامه “الإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة”. أما حساني فدافع عن “الحريات التي تم تقليصها إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة”، بعد تراجع زخم الحراك الشعبي الذي أطاح عام 2019 بالرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أمضى 20 عاما في الرئاسة وتوفي في 2021.
واعتبر حسني عبيدي أن حصيلة تبون تعاني “عجزا في الديمقراطية” يمكن أن يشكل عائقا خلال ولايته الجديدة.