سياسة

بعث الحيوية في العلاقات المصرية الأمريكية

د. علي الدين هلال


أثار انعقاد النسخة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر يوميْ 8 و9 نوفمبر الجاري مناخ احتفاء بالعلاقات بين البلدين.

فأكدت واشنطن أهمية الدور المصري وحرصها على تعزيز العلاقات بينهما وتطويرها في المجالات كافة.

ظهر هذا جلياً في بيان الخارجية الأمريكية، الذي وصف مصر بأنها “شريك حيوي”، وفي كلمة وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، عند بداية الحوار، نوَّه إلى عُمق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي بدأت عام 1922.

أشار “بيلنكن” في كلمته أيضاً إلى شخصيات أمريكية من أصول مصرية لها إسهامها في الحياة الأمريكية، ما يشير إلى رغبة رئيس الدبلوماسية الأمريكية في إعطاء العلاقة مع مصر بُعداً إنسانياً وشعبياً.

وبدأ الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي عام 1998 في ظل رئاسة “كلينتون”، وانعقدت جلساته مرة كل عامين حتى 2009 في عهد “أوباما” ثم توقف في السنوات التالية بسبب التغيرات السياسية الجسيمة والمتلاحقة، التي شهدتها مصر والمنطقة بعد 2011.

وعاد الحوار للانعقاد في عام 2015، ولكنه توقف مرة أخرى حتى عاد عام 2021.

ترجع أهمية عودة الحوار الآن إلى بروز مصر كعنصر استقرار وسط إقليم مضطرب، ونجاحها في تنفيذ مشروعات كبرى في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع استمرارها خلال الوقت نفسه في تطبيق سياسة نشطة لمكافحة التطرف والإرهاب وزيادة قدرتها العسكرية.

في هذا السياق، تقوم مصر بدور نشط في عديد من المشكلات الإقليمية، وأبرزها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوصول إلى حل سياسي للوضع في ليبيا، وكذلك في السودان ولبنان.

وتدخل في ذلك المبادرة المصرية الأردنية بتوصيل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، إضافة إلى إقامة مصر علاقات وثيقة مع دول مجلس التعاون وكل من العراق والأردن، والتي كان من تجلياتها زيارة ولي عهد الأردن إلى القاهرة الأسبوع الماضي، على رأس وفد ضم رئيس الوزراء وعددا من الوزراء وكبار المسؤولين.

وهناك أيضاً ما حققته الدبلوماسية المصرية في منطقة شرق المتوسط، في ضوء زيادة أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، ومبادرتها في طرح فكرة وإنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، التي تضم في عضويتها مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا وقبرص واليونان، وكلا من الولايات المتحدة ودولة الإمارات كمراقبين.

 

ارتبط بذلك سعيُ مصر لأن تكون مركزاً إقليمياً لإسالة الغاز، وأبرمت اتفاقياتٍ مع إسرائيل وقبرص بهذا الشأن، وطورت علاقاتها السياسية مع كل من قبرص واليونان، وبمُقتضى ذلك يجتمع رؤساء الدول الثلاث بشكلٍ دوري.

ولا بد أن هذه التطورات وغيرها من السياسات والممارسات المصرية أدت إلى قيام مؤسسات التخطيط الاستراتيجي والأمني الأمريكي بإعادة تقييم دور مصر في المنطقة، ووصلت إلى نتيجة أنها أصبحت عنصراً فاعلًا على الأصعدة العربية والمتوسطية والأفريقية لا يُمكن تجاهله.

ساعد على إنجاح الحوار هذه المرة اتخاذ الحكومة المصرية عددا من الإجراءات في مجال حقوق الإنسان، وهي أهم قضايا الاختلاف في وجهات النظر بين البلدين، وتضمنت هذه الإجراءات إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وصدور التشكيل الجديد للمجلس القومي لحقوق الإنسان، والإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطياً من النشطاء في هذا المجال، وإنهاء العمل بقانون الطوارئ.

وقد ساعد في ذلك أيضاً إجراء مناورات النجم الساطع بين الجيشين الأمريكي والمصري، التي جرت خلال الفترة 2-16 سبتمبر الماضي بقاعدة “محمد نجيب” في منطقة الساحل الشمالي، وشارك فيها 600 ضابط وجندي أمريكي، وأعقبها انعقاد الدورة رقم 32 للجنة التعاون العسكري بين البلدين، التي درست سُبُل تعميق الشراكة الاستراتيجية في المجال العسكري، وناقشت قضايا تأمين الحدود، والملاحة البحرية، ومكافحة الإرهاب، وخطط تحديث الجيش المصري.

ومن الأرجح أن ما وصلت إليه اجتماعات هذه اللجنة كان على جدول أعمال الحوار الاستراتيجي، الذي ناقش دائرة عريضة من الموضوعات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية.

وكان من اللافت للنظر دعوة وزير الخارجية الأمريكي شركات بلاده للاستثمار في مصر، وإعلانه التزام واشنطن بتحقيق الأمن المائي لمصر، وأنها سوف تعمل من أجل الوصول إلى توقيع اتفاق مُلزم قانونياً بشأن تشغيل سد النهضة.

 

من الواضح أن هناك جديدا في العلاقات الأمريكية المصرية يتمثل في حرص الطرفين على مناقشة كل القضايا التي تهم البلدين، وشرح وجه نظر كليهما لتحديد مساحات الاتفاق والاختلاف، ومن ثَم تحديد مجالات العمل المشترَك، التي يكون هناك توافق بشأنها، ومجالات الاختلاف، التي تحتاج إلى مزيد من الحوار.

ولأنها علاقات قديمة ومتعددة الجوانب وأن لها بُعدها الأمني الاستراتيجي، فإنها ذات طابع مؤسسي يرعاه عدد من المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، والمطلوب فيها هو البناء على ما تحقق واستمرار التعاون والحوار بين القاهرة وواشنطن.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى