سياسة

الدمشقيون يعودون لبيت العرب من باب أبوظبي

هاني مسهور


زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات ولقاؤه نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، هي نتيجة لخطوات سياسية بدأت منذ ديسمبر 2018، عندما أعلنت الإمارات إعادة فتح سفارتها بالعاصمة السورية، لتكسر سنوات من الجمود السياسي.

كانت إعادة فتح السفارة خطوة استشرافية، بمثابة التأكيد الأول على أنه لا بد من عودة هذا البلد العربي لمكانه في الجامعة العربية.

الإمارات، وهي الدولة الأكثر حيوية في العمل ضمن الأمن القومي العربي، تدرك مسؤولياتها القومية، وهو استشعار ساند ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وهو ذاته الذي استمدت منه الإمارات سياستها وفق استراتيجية واعدة، تساهم بترميم العلاقات العربية العربية كي لا تترك الفراغات للقوى الإقليمية والدولية المتربصة بالعالم العربي.

هذه الاستراتيجية استفادت منها اليمن وليبيا والعراق ولبنان والسودان، وها هي سوريا تحصل على فرصتها للعودة للبيت العربي عبر الباب الإماراتي.

المنهجية السياسية الإماراتية ترتكز على محددات واضحة في حماية الأمن القومي العربي بمفهومه الدقيق وتتعامل معه بالجدية الكاملة، وما حدث من خلل في العلاقة مع سوريا دفع ثمنها الشعب السوري الذي عانى عشرية فوضى الإسلام السياسي، التي دفعت المنطقة إلى صراعات بينية عملت على تفتيت الدولة الوطنية، وجرتها إلى أزمات خانقة نتج عنها ملايين الضحايا من قتلى ومشردين حول العالم. هذه المأساة السورية شكلت جرحا عربيا نازفا يحتاج لقرار شجاع لوقفه ومعالجته، وهو ما بدأته الإمارات مبكرا.

وعندما زار رأس الدبلوماسية الإماراتية الشيخ عبد الله بن زايد دمشق، كان يمنح النظام السوري الفرصة لاتخاذ القرار نحو الخطوة التالية، فالسيولة السياسية في الشرق الأوسط كانت تقتضي خطوة من دمشق، وهذا ما فعله الأسد عندما قرر العودة للبيت العربي عبر البوابة الظبيانية، فهذه هي البوابة الأكثر مصداقية مع الجميع والمتصالحة مع كل الأطراف، دون اعتبار لظرفيات سبقت مهما كانت، فالشعوب لا يجب أن تتحمل تبعات سياسات التباعد، فهي التي تدفع من حاضرها ومستقبلها الثمن مضاعفا.

وبغض النظر عن انتظار انعقاد القمة العربية ومشاركة سوريا فيها، فإن الأهم الآن هو أنها اتخذت خطوة إيجابية لتصحيح الاختلال في العلاقات العربية العربية، وباتت مستعدة عمليا لطي الصفحة الماضية واستيعاب ضرورة البدء في معالجة الوضع السياسي وإجراء عملية سياسية سورية، تعيد للشعب السوري كرامته، ولتساهم المنظومة العربية في إعمار هذا البلد المؤسس لكيان الجامعة العربية، فهو واحد من أعمدة البيت العربي الكبير.

ليس من المنطق لعن الظلام، بل فتح نافذة سياسية مشعة بالفرص الممكن تحويلها إلى واقع معاش، فما دفعه الشعب العربي السوري كان جسيما، وتركه للفوضى وللتدخلات وانتهاكات سيادته الوطنية، فقد كان فعلا فاحشا خادشا لكرامة الأمة العربية كلها، فهذا السوري كشعب هو جزء لا يتجزأ من الجسد العربي، مهما أصابه من الوهن والضعف، ولا يجب أن يترك إلى الأبد من دون أن يستعيد دوره في بيته، فهو الأخ وهو العزيز ضمن أشقائه وإخوته.

عادت دمشق وستعود عدن وبيروت وصنعاء وطرابلس من البوابة الإماراتية، فليس لغنى لعربي عن بيته، وليس لأحد أن يرمم بيت العرب إلا العرب، وهذا ما تبادر به القيادة الإماراتية وتضعه أولوية من أولويات سياساتها، ومنهج تتحرك فيه بشجاعة وقوة وفق ما تمتلك من أرصدة سياسية تستثمرها لمصلحة الشعوب وتأمينها ومساعدتها لتجتاز المحطات الصعبة، وتأتي بها عبر البوابة الظبيانية لتشعر بالأمان بأن في العرب رجالات يحرصون على أمن شعوبهم العربية، فالعربي للعربي كالجسد الواحد، إن اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى والوجع، وما أصاب دمشق آن علاجه وتطبيبه ورعايته لتعود الزهرة الدمشقية بهية ببهاء تاريخها المجيد.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى