علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بجماعة الإخوان الإرهابية تدعو للتأمل والدهشة في الوقت نفسه.
إذ نجد واشنطن تقدم حماية للإخوان، سواء من خلال استضافة أبرز قادتها على الأراضي الأمريكية أو الدفاع عن وجودهم في منطقة الشرق الأوسط، والأدهى أنها هيّأت لهم فرصة صعود إلى سلم السلطة في بعض العواصم العربية في أثناء ما يسمى “الربيع العربي”، ما يؤكد أن الإخوان بمثابة ورقة ضغط تستخدمها أمريكا، حتى مع حلفائها في الشرق الأوسط.
التنظيمات الإرهابية والمزاعم “الحقوقية” هي إحدى أدوات الدول الكبرى للتدخل في شؤون الغير، إذ يتم استخدام هذه التنظيمات والمزاعم ليس في ممارسة الضغوط فقط، وإنما في إثارة الفوضى، إذا رأت بعض الدول مصلحة في ذلك، وقد كان الدعم واضحًا لهذه التنظيمات بعد عام 2011، ما أسفر عن فوضى شهدتها بعض الدول العربية، كما أتاح ذلك فرصة لصعود الإخوان إلى سدة الحكم في هذه البلدان، حتى انكشف أمرهم وضعفهم وسوء قصدهم بالشعوب والأوطان.
الولايات المتحدة الأمريكية تعلم وتُدرك علاقة الإخوان بالعنف، سواء من خلال أفكار مؤسسهم حسن البنا، أو من خلال احتضانها جماعات التطرف والدم، أو عبر ممارسات مليشيات الإخوان، التي أنشأها التنظيم كـ”سواعد مصر” و”حسم” و”لواء الثورة” و”المقاومة الشعبية” وغيرها.
خطورة الإخوان ليست فقط في ممارسة العنف، وإنما في حماية أفكار العنف خلال زهاء قرن مضى، فلولا الإخوان ما ظهرت مجموعات إرهابية المسلك، حتى تدهور الأمر إلى تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين، فمثل هذه التنظيمات ألهمها حسن البنا فكرها الإرهابي، بينما غذَّى وجودها مُنظّر العنف داخل التنظيم، سيد قطب، ورغم التباين بين التنظيم الأصلي وبين تنظيمات العنف والإرهاب، التي خرجت منه لاحقا، فإن الإخوان يظل التنظيم الملهم لكل الجماعات الإرهابية.
هذه المقدمة تبدو مهمة ونحن نتحدث عن مشروع القانون، الذي تقدم به السيناتور الجمهوري، تيد كروز، لمجلس الشيوخ الأمريكي، لوضع الإخوان على قوائم الإرهاب الأمريكية، مشككًا في إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس بعد حجب مبلغ 130 مليون دولار من المساعدات الخاصة بمكافحة الإرهاب عن الحليف المصري، وتساءل عن أسماء الـ16 سجينًا، التي تريد واشنطن أن تفرج عنهم مصر مقابل الحصول على المبلغ المذكور.
يبدو بوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بـالـ130 مليون دولار وبغيرها من أجل الإفراج عن بعض قيادات الإخوان المتهمين في أعمال عنف وإرهاب وتحريض على قتل المواطنين، وهي جرائم جنائية وصلت بالمتهمين إلى حد الإدانة ضمن إجراءات تقاضٍ قانونية سليمة بوجود محامٍ للدفاع عنهم.
وهنا نضع أيدينا على شكل العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والإخوان، فرغم أن واشنطن قادت تحالفًا دوليًا للقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في عام 2014، ونتج عن ذلك سقوط التنظيم في الرقة والموصل في 22 مارس 2019، فإن واشنطن تتوانى في التعامل مع رأس الأفعى الإرهابية، ممثلًا في تنظيم الإخوان، ولعل المشهد هنا أقرب لعلاقة واشنطن مع تنظيم “القاعدة”، فقد أتاحت له أمريكا فرصة للخروج العشوائي والفوضوي من أفغانستان، تماما كما تفعل مع الإخوان من أجل خدمة مصالحها.
الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تعد امتدادًا لإدارة “أوباما”، التي دعمت وصول تنظيمات الإسلام السياسي للحكم عبر فوضى الربيع العربي في العقد الأخير، هي نفسها التي تريد عودة الحياة لهذا التنظيم من خلال الضغط للإفراج عن بعض قيادات التنظيم داخل السجون المصرية، وهو ما لن تستجيب له مصر، فالموقف القانوني للمتهمين هو المسؤول عن خروج مثل هؤلاء من السجون أو بقائهم وفق ما ارتكبوه من جرائم، أما بخصوص عودة نشاط التنظيم فهو محظور آخر وفق القانون ووفق الرغبة الشعبية، التي ذاقت المُرّ من تنظيم هوى بالبلاد إلى مهاوي الردى.
هناك محاولات يتقدم بها بعض الجمهوريين لوضع الإخوان على قوائم الإرهاب ووضع الإدارة الأمريكية أمام مسؤولياتها في هذا الشأن، ولكن تظل رغبة واشنطن في استخدام هذه التنظيمات لمصلحتها الورقة الحاسمة، وهو ما يصطدم مع ما تضعه وتروجه أمريكا من استراتيجية لمكافحة الإرهاب عبر الحدود والقارات.
أمريكا ربما لا ترغب حاليا في تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية وفق المعايير الدولية، التي تنطبق كلها على هذا التنظيم الإرهابي، ولكن هذا لا يُبرئ ساحتها أو يمنع مستقبلًا من صدور قرار التنصيف إذا ما شعرت واشنطن أن تنظيم “الإخوان” بات عبئًا عليها، وهنا سوف تكون مواجهة الإخوان وكل التنظيمات المتطرفة على مستوى التنسيق الدولي، ما يُعجّل بقطف ثمار هذه المواجهة، ومن ثم غياب ظواهر الإرهاب والتطرف عن عالمنا.